عبدالله إبراهيم الكعيد
في البدء أعتذر عن إيراد كلمة أعجمية في عنوان مقالة اليوم، مع أن مجمع اللغة العربية في القاهرة قد اعتمد مؤخراً إدخال مفردة «ترند» ضمن الكلمات المُعرّبة والتي تعني الاتجاه الصاعد.
حسناً، هل يفترض بي أن أقول «غواية الاتجاه الصاعد»؟
طيّب، لو قلتها هل سيستوعب أكثرية القراء ما أرمي إليه، لأن معظمهم حسب بحثي في المفردة يخلطون ما بين مفهوم السعي وراء الشهرة وبين الترند. يقولون فلان يبحث عن الترند. والترند هو الاتجاه. فالأصح أن يقال بأنه يبحث عن الشهرة من خلال ارتفاع اتجاه قبول الناس لما نُشر وتأييدهم له أو رفضهم واستهجانهم. حينما يسجل زوار منصات السوشيال ميديا إعجابهم أو رفضهم لأي محتوى منشور فيها فهم بذلك يؤثرون في الترند.
وأنا أكتب مقالي هذا تذكرت حكاية الرجل الذي (بال) في المسجد - أعزكم الله -. من المؤكد أن الرجل لم يقصد الإساءة للمكان بمن فيه، والدليل تسامح رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلّم - وعدم غضبه رغم سعي بعض الصحابة لزجره وتعنيفه.
السؤال: هل كان الرجل بفعلته تلك يود أن يذكره الناس بأنه أول من بال في مسجد وذلك أغرب ما يمكن أن يُسمع حينها؟ أعني هل كان الرجل يقصد الشهرة أم إلحاح النظام الفسيولوجي للآدمي أدى إلى إهراق الخارج من سبيله وهذا ما أميل إليه.
إذاً الفعل أو القول غير المتوقع والخارج عن المألوف هو الذي يثير فضول الناس. لهذا يقوم البعض بإشهار أفعالهم التي لا يقوم بها غيرهم لأسباب مختلفة جلّها تتعلق بقانون (العيب)؛ كل ذلك سعياً منهم وراء الترند. كان في الماضي الدافع الرئيس لهذه الأفعال هو زيادة عدد المتابعين والمشاهدات للوصول إلى الشهرة فأطلق الناس عليهم صفة (المشاهير). قلّدهم البعض فظنّوا أنهم مؤثرون، فأوهموا المجتمع بأن تأثيرهم كبير وكلمتهم مسموعة؛ لهذا أصبحوا وسيلة إعلانية عيبها فقدان المصداقية في معظم الأحوال.
حين أدرك مسيرو تلك المنصات أن هؤلاء أصبحوا وسائل جذب لمزيد من المشتركين ألقوا إليهم بالطعم. تحقيق مداخيل مالية في حالة جذب مشتركين أكثر ومشاهدات أكثر وزيارات أكثر، وبالتالي حشر الإعلانات في محتوى من يسمّون بالمشاهير.
في بعض المجتمعات يُسمى مشهور منصات السوشيال ميديا (ترند) فيقال فلان ترند. بينما ردود الفعل على محتوى المشهور/ المشهورة هو الترند.
أيّاً كان، أظن أن السعي وراء الترند أحد أسباب ازدهار صناعة التفاهة كما سمَّاها الكندي ألان دونو، ولهذا من أراد دراسة ظاهرة من الظواهر المستجدة فلا مناص من البحث في كل ما يتعلق بأهل الترند.
يقول المثل الأفريقي: «لا تنشر أحشاءك للخارج كي لا تتغذى عليها الغربان». اليوم وقد نشر اللاهثون وراء الترند كل غسيلهم وكشفوا كل مستور في حياتهم الخاصة. ماذا بقي من أفعال مستهجنة كي يقال لفاعلها (عيب عليك)؟.