رمضان جريدي العنزي
صناعة الذات ليست قهوة سريعة التحضير، وليست نزهة عابرة على ضفاف نهر، وليست غفوة حالمة على شاطئ جميل، أو تحت شجرة وارفة الظل، إنها عملية مخاض صعبة، ومعركة شرسة وكبيرة يواجهها الإنسان للارتقاء بذاته، صعود جبال، وتحاشي مستنقعات ومصدات وحفر، وصمود أمام الرياح العاتية، أن تخلق ذات مغايرة لها تفرد وتميز وبصمة واضحة، يجب البعد عن الخمول والتواكل والكسل، إن الإنسان ابن سعيه، فمن كان أسعى كان بالمجد أحق وأجدر، ومن كانت له همة أرتقى وعلا، فلله در الهمة العالية إذا ولجت قلباً هدته إلى المكارم، وقادته إلى المعالي، إن أصحاب الهمم العالية هم الذين يقومون على تبديل الحياة وتغيير مجراها نحو الأفضل والأحسن والأجمل، أصحاب الذات العظيمة هم من يعلمون الناس كيفية البذل والجهد والعطاء، ويعطون دروساً بالغة بالصبر على الشدائد والمصائب والنكبات، أنهم ينجزون إنجازات كبيرة في العلم والثقافة والفكر والابتكار والعطاء، ولا يقضون أيامهم بالتسويف والتكاسل والنوم على مخادع الراحة، إن أصحاب الهمم العالية تواقون وطموحون، لا يعيقهم عائق، ولا يصدهم صاد، وعندهم البذل والسعي والعطاء عناوين بارزة، ومسارات واضحة، أن صناعة الذات من أسرار النجاح، وبلوغ المرامي، وتحقيق الأهداف.
وقع حصان في بئر، وعندما جاء صاحب الحصان وحاول التفكير في إخراج الحصان من البئر وجد صعوبة في ذلك، فقرر دفنه في البئر وخاصة أن الحصان كبير في السن، فبدأ يرمي عليه الرمل، وعندما شعر الحصان بهذا استفاد من الموقف وبدأ ينفض الرمل من فوقه حتى يستقر تحت رجليه، وشيئاً فشيئاً حتى وصل الحصان للسطح مما أدهش صاحبه من حكمته وتفعيل عقله من أجل إنقاذ نفسه، والمقصود هنا أن لا يستسلم الإنسان لضغوط الحياة، بل عليه أن يتعداها حتى يصل إلى ما يريد، فلكل مشكلة حل، ولكل باب مفتاح.
الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن، عندما كان عمره واحدا وثلاثين عاماً فشل في الأعمال الحرة، خسر في الانتخابات في الثانية والثلاثين، توفيت خطيبته في الخامسة والثلاثين، حدث له انهيار عصبي في السادسة والثلاثين، خسر في الانتخابات عندما كان في الثامنة والثلاثين، خسر في انتخابات الكونغرس عندما كان في الثالثة والأربعين، خسر مرة ثانية عندما كان في السادسة والأربعين، خسر مرة ثالثة عندما كان في الثامنة والأربعين، خسر سباقاً بلقب سناتور عندما كان عمره خمسة وخمسين، فشل في أن يكون نائباً للرئيس عندما كان عمره ستة وخمسين، خسر سباقاً ثانياً للفوز بلقب سناتور، وعندما أصبح عمره ستين عاماً أصبح الرئيس الثاني عشر للولايات المتحدة الأمريكية.
أن قصة إبراهام لنكولن تعطي دليلاً واضحاً على أن الإصرار والمثابرة والعمل المستمر والسعي نحو الهدف هو الطريق الأمثل نحو صناعة الذات وإثباتها، لذا فإن على الإنسان أن يكتشف ذاته، ويسعى إلى تحقيق طموحه وأحلامه وآماله، عليه أن يكتشف الطاقات الكامنة في داخله، عليه أن يعلم بأن الله وضع في كل إنسان سر بقائه الذي يمكنه في العيش في هذه الحياة، عليه أن يتوكل على الله، يفكر بعقل واتزان، بجد واجتهاد ويسعى سعياً حثيثاً، بعيداً عن النكوص والاستسلام والانهزام.