عبد الله سليمان الطليان
إن التضليل ليس جديداً بالطبع فالأخبار المضللة موجودة حتى قبل اختراع المطب فالتاريخ يفيض بالخداع وما يختلف اليوم هو التكنولوجيا، التي عززت سرعة الخداع وامتداده وحجمه؛ فالإعلام عبر الإنترنت أعطى الفئات المهمشة سابقاً منصةً للتعبير، بمن فيهم باعة الكذب المتجولون بالصحة وشحنت أدوات التضليل المتاحة لهم ومن المسلم به الآن أن نقل الأكاذيب ينتشر كموجة فيروسية تساعدها أقزام جبارة وحرفية ونشاطات مشاركة المحتوى الخاص بنا على مضاعفة الادعاءات المضللة وتضخيمها.
وهي اتجاهات جعلتنا أكثر عرضةً للغوغائية، وبالقدر نفسه من القلق تلقي مجموعة متنامية من الأبحاث على مدى العقد الماضي بظلال الشك على قدراتنا. وحتى رغباتنا - على مقاومة المعلومات المضللة بمواجهة القرائن التصحيحية. يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر Exeter جيسون ريفلر Jason Reifler، قائلاً إننا نميل إلى استقبال المعلومات بقيمتها الظاهرية لأن وجود المجتمع البشري يعتمد على قدرة الناس على التفاعل و(على) توقعات حُسن النية، فضلاً عن ذلك. يمكن أن تتخذ الإشاعات أشكالاً خفية وماكرة لتزييف الحقيقة، ما يجعل من الصعب كشفها دون تحليل دقيق أو كشف واقعي هذا يعني أن أولئك الذين يشعرون منا بفرط الحيرة من التعامل مع الحياة، عليهم بذل جهد عقلي إضافي يحميهم من الاستسلام بسهولة للخداع فعندما ينزلق الزيف إلى الذاكرة ويصبح مشفراً فيها - ولو بشكل ضعيف - يمكن أن يظهر بوضوح أنه راسخ ومقاوم للتصحيح.
هناك سبب يجعل المعلومات المضللة تقاوم التصحيح هو التكرار: فعند تكرار شيء ما بشكل كافٍ - ادعاءات مثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وتفاسير حضرية تنتقل من مضيعة مملة للوقت إلى آخر. يمكن أن تخدعنا في كونها صحيحةً لمجرد شيوعها، يشير أثر الحقيقة الخادع كما هو معروف، إلى أنه كلما كان الأمر أبسط في المعالجة وأكثر شيوعاً، زادت قابلية تصديقنا له وهو بالضبط ما يفعله تكرار الادعاء المضلل. حيث يسير بسلاسة من خلال تعزيز المسارات العصبية المتصلة به. وهذا يمكنه أن يربك تحدي التصحيحات التي تعمل مع تكرار المعلومات الأصلية الخاطئة.
في العام 2017، قام ستيفان ليواندوفسكي Stephan Lewandowsky عالم الإدراك في جامعة بريستول University of Bristol، واثنان من زملائه من جامعة أستراليا الغربية University of Western Australia التحقيق في هذا الاحتمال. قاموا بقياس معتقدات الأشخاص المستهدفين في 20 خرافة و20 حقيقة، ثم قاموا بتصحيحها وكرروها مرتين أخريين على الفور، ثم بعد 30 دقيقة، فقلّل التصحيح بشكل كبير من معتقدات المستهدفين في العبارات الخاطئة وما تشير إليه، إلا أنه بعد أسبوع واحد فقط تسللت المعتقدات عائدة إلى ما يقرب من ضعف مستوياتها المصححة. ونظراً لتراجع الذاكرة مع تقدم العمر، فقد يكون كبار السن عرضةً بشكل خاص للمعلومات المضللة التي تُكرر مُترافقةً بانسحاب في الواقع وفي دراسة مماثلة على بالغين أكبر سناً، وجد فريق ليواندوفسكي أنه بعد ثلاثة أسابيع، انتهى الأمر بأشخاص تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى إعادة تذكر معظم الأساطير المصححة بنجاح كحقائق مرة أخرى، وعلى الرغم من عدم حدوث أي آثار عكسية - أي أن يؤدي التصحيح في الواقع إلى زيادة الإيمان بالخرافة - ناهيك عن بعض أدلة سابقة مخالفة، يعتقد الباحثون الآن أن هذه التأثيرات نادرة، هذا إن وجدت على العموم. وعلى الرغم من أن تكرار التذكير بالأسطورة يمكن أن يكرسها، إلا أن تكراراً واحداً مع التصحيح يبدو آمناً ومرغوباً فيه؛ لأنه يجعلها أكثر مرونة من خلال تنشيطها في السنوات الأخيرة، بعد أن شقّ التزييف طريقه إلى قطاعات واسعة من المجتمع، كان العلماء يبحثون عن أفضل الاستراتيجيات لمعالجته. أخيراً، قاد ليواندوفسكي مجموعة Debunking 2020 Handbook عبر الإنترنت، وهي عبارة عن حصاد لأفضل الممارسات المعدة من قبل 22 من أكثر الباحثين نشاطاً في هذا المجال؛ حيث رشح الفريق أكثر من 50 نتيجة وأكثر من 30 توصية عملية ذات صلة، وصنفوها على أساس أهميتها وقوة الأدلة المتوافرة، وخلصوا إلى أن فضح الأسطورة بنجاح يساعد في تقديم تفسير سببي بديل لملء الفجوة العقلية، التي يمكن أن يتركها سحب الأسطورة، وكذلك تعمل في هذا السياق الحجج المضادة؛ إذ إنها تشير إلى التناقضات الموجودة في الأسطورة، ما يسمح للناس بإجلاء التباين بين البيان الصحيح والمزيف ثمة إستراتيجية أخرى تتمثل في إثارة الشكوك حول مصدر المعلومات المضللة. على سبيل المثال، قد يشكل حرجاً أكبر للمسؤولين الحكوميين، الذين يرفضون الاحتباس الحراري، الذي يببه الإنسان. إذا كنت تشك في وجود مصالح تجارية خاصة وراء مزاعم الإنكار.
إذا أخبرت الناس أن 97 في المائة من علماء المناخ يتفقون على حقيقة ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن الدراسات تظهر أنه من المحتمل أن يزيد اجتماع الخبراء من إدراكهم لهذا الموضوع لكن هل يترجم هذا الإدراك الأكبر إلى عمل على سبيل المثال، دعم سياسات الحد من الكربون. وهذا ما يظل غير واضح والأدلة مختلطة، فقد أثار السؤال جدلاً وخلافاً وجوهرياً بين الباحثين كما يقول أستاذ العلوم السياسية من جامعة نورث وسترن thwestern في إلينوي linois جيمس دروکمان James tickman. ومع ذلك حتى في الدراسات، التي وجدت تأثيراً غير مباشر على النوايا، فإن هذا التأثير ضئيل. بعبارة أخرى، يمكنك إيصال الحقائق للناس، بل يمكنك حملهم على قبول تلك الحقائق - ومع ذلك فقد لا يغير ذلك شيئاً.
لفهم دقيق للطبيعة الخبيثة لفيروس المعلومات المضللة نحتاج إلى إعادة النظر في براءة المضيف من السهل أن نرى أنفسنا ضحايا الخداع للجهات الشريرة، ومن المغري أيضاً التفكير في التضليل كشيء يحدث لأشخاص كثر. بعض الجماعات غير المسماة، تجتاحها الغوغائية والأكاذيب بسهولة.
وللحد من هذا علينا التركيز على تغيير الأعراف الاجتماعية، التي تمجد ترويج المعلومات المضللة عبر تنظيم أكثر صرامةً لمنصات التواصل الاجتماعي.