د. محمد عبدالله الخازم
علمت بتقاعد سعادة البروفيسور يوسف العيسى، بعد رحلة عقدين من الزمان في العمل وكيلاً لجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية (جامعة سعود الصحية)، وحيث إنني ممن عملوا في ذات الجامعة (سابقاً)، فحقه علينا الدعوات له بحياة هانئة وصحة دائمة بعد ترك الوظيفة. ولعلي أبدأ بالكلمة الأصعب في هذه المناسبة؛ اختلفت مع قيادات جامعة سعود الصحية من موقعي كمنظر وناقد لسياسات التعليم العالي، وآرائي التي عبرت عنها فيما كتبته سابقاً حول استراتيجيات تأسيس الجامعة ومرجعيتها التشريعية وضرورة تجديد قياداتها تبقى قائمة. لكنه من النبل ألاًّ أترك لاختلاف وجهات النظر حجب ذكر جهود الآخرين وتقديرهم.
البروفيسور يوسف العيسى زميل عمل كبير عملت تحت إدارته المباشرة، عميداً (مكلفاً) قرابة الأربع سنوات. اجتهدت في القيام بالمهمة التي أوكلت إلي - تأسيس كلية العلوم الطبية التطبيقية - والتي استقطبت للجامعة من أجلها وأي نجاح تم حصده، ما كان ليتحقق لولا دعم الآخرين ومنهم سعادته. كنت محبوباً عندما أكتفي بدور الجندي الجيد في التنفيذ وغير ذلك عندما أطرح الأفكار بصوت عال.
هذه قصة إدارية، تتكرر في أماكن عديدة وبعد تجارب العمر الممتدة أقر بأنها ثقافة وأسلوب إدارة. في الإدارة لا يوجد مدرسة مثالية واحدة، ولا تأتي الأمور دائماً ابيض وأسود، حيث هي ضمن العلوم والممارسات التي تتداخل فيها المبررات العملية والعواطف الشخصية والثقافات الجمعية...
لا أريد أن أبحر في فلسفة الإدارة، لكن أدب الاختلاف يفرض علينا تقدير الرجال وشكرهم حينما يكون الشكر واجباً. هذا ديدني، اختلاف الراي لا يعني تجريد الآخر من حقه في التقدير على ما أنجزه. المحبة أمر شعوري، بينما الاحترام واجب أخلاقي.
أشكر سعادة البروفيسور يوسف العيسى على ما قدمه من جهد لجامعة سعود الصحية، إبان مراحل تأسيسها وتطويرها على مدى عقدين من الزمان. لم يكن مجرد وكيل جامعة قائمة وفق تنظيمات واضحة وإنما قائد للعمليات التأسيسية، عمل بكل جهد وتفان لمتابعة مراحل تأسيس وبناء صرح جامعي بدأ من الصفر وسط بيئة إدارية تنافسية معقدة التركيب، بتعدد أنظمتها ومرجعياتها. بمعنى آخر، البروفيسور العيسى أشرف على تأسيس كليات الجامعة من مختلف النواحي الأكاديمية والعمرانية، لذلك يراه البعض أمرا مخلا بوصف مهامه وإنجازاته اعتباره مجرد وكيل جامعة تقليدي للشؤون الأكاديمية، وإنما أكثر من ذلك. ارتبط اسمه بمرحلة تأسيس جامعة سعود الصحية، وبالتالي سيبقى اسمه في الذاكرة التاريخية للجامعة...
وفي تقدير سعادته، ادعو معالي رئيس الجامعة وسعادة عميد كلية الطب فيها إلى تسمية القاعة الرئيسة بكلية الطب باسم البروفيسور يوسف العيسى. باعتبارها الكلية التي أولاها جل اهتمامه، وكان له فضل كبير في تأسيسها وتطويرها، للحد الذي كنا في الكليات الأخرى نغار من اهتمامه الكبير بها. مثل هذا التقدير الرمزي سيعكس اهتمام الجامعة بتكريم رموزها المؤسسين وترسيخ أسمائهم في ذاكرة الأجيال القادمة.
أخيراً، نحن نجهل تاريخ التأسيس للعديد من مؤسساتنا لأن الأوائل لا يوثقون التجربة بكل تجرد وشفافية. لعلني وقد وثقت جزءا من تجربتي بهذه الجامعة، عبر كتاب «حكايات على الخشم» (في جزئه الأول) أدعو سعادة البروفيسور العيسى، بعد الترجل من المنصب والتجرد من صراع الإدارة والمصالح، إلى تسجيل تجربته كأحد مؤسسي وبناة الجامعة وفلسفته في القرارات والخيارات التي اتخذت في هذا الشأن. سيكون أمراً إيجابياً تعدد الرواة، ولكلٌ منا زاويته ونظرته وتفسيراته للحكايات ذات العلاقة...