عبدالرحمن الحبيب
المشروع الوطني للمشي الذي تنفذه وزارة الصحة يهدف إلى تحقيق أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030 لتعزيز الصحة العامة وزيادة متوسط العمر من 74 إلى 80 عاماً من خلال تعزيز ثقافة المشي بالمجتمع عبر مبادرات عدة مثل المسابقات ومشاركة المدارس والجامعات والفعاليات الميدانية والمشي الخيري. أيضاً، انطلق اليوم الوطني للمشي عام 2019 ليكون الخامس من مارس من كل عام بهدف تشجيع الناس على اعتماد أسلوب حياة نشط وتحسين اللياقة البدنية، ورفع مستوى الوعي الصحي بأهمية ممارسة الرياضة بانتظام ومحاربة الأمراض المزمنة.
هناك مشكلة عالمية، فاتساع المدن يعني تباعد المسافات التي يحتاج المرء الذهاب إليها، فتزداد الحاجة للنقل (العام أو بالسيارة) ويقل المشي. ويبدو أن العالم لا يستطيع إيقاف اتساع استخدام السيارات، رغم أن البعض يروج لإمكانية زيادة المشي عبر ما يسمى أحياناً «مدينة الـ15 دقيقة»، حيث يستطيع السكان تلبية معظم احتياجاتهم دون قيادة السيارة، وهو مفهوم تخطيط حضري في أجزاء المدينة يتيح الوصول بسهولة إلى معظم الضروريات والخدمات اليومية، مثل العمل والتسوق والتعليم والرعاية الصحية والترفيه في غضون 15 دقيقة عبر المشي أو ركوب الدراجة أو ركوب وسائل النقل العام من أي نقطة في المدينة. ويهدف هذا النهج إلى تقليل الاعتماد على السيارات، وتعزيز الحياة الصحية والمستدامة، وتحسين الرفاهية ونوعية الحياة لسكان المدن.
فكيف نجعل المدن الكبيرة تشجع على المشي؟ التحدي كبير، فعلى الصعيد العالمي، يستمر عدد السيارات في الارتفاع وكذلك الازدحام، ويزيد أيضاً معها الاعتراف بالحاجة إلى التغيير، فكثرة استخدام السيارات في المدن له آثار سلبية عديدة على سكانها، منها التلوث والضوضاء واستخدام الأماكن التي يمكن استغلالها كحدائق ومناطق ترفيهية مثلاً. لذا، فإن اكتشاف العوامل التي تقلّل من الاعتماد على السيارات يشكل حلاً واعداً خاصة في المناطق المكتظة بالسيارات. تعد الدراسة التي أجراها رافائيل بريتو كورييل وخوان بابلو أوسبينا، وكلاهما باحثان، واحدة من أكبر الدراسات من نوعها باستخدام بيانات بما يقرب من 800 مدينة في 60 دولة باستطلاع أجري على حوالي 850 مليون شخص حول العالم، لوضع نموذج لاستخدام السيارات وعلاقته بحجم المدينة والدخل من خلال تجميع مستويات ونسب التنقل النشط، والنقل العام، والسيارات.
أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع ما زالوا يتنقلون إلى العمل بالسيارة كل يوم.. زيادة الدخل في المدينة يزيد فيها التنقل بالسيارة، كما تُظهر الدراسة.. ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة بين المناطق. بالنسبة للمدن في شرق آسيا، تساهم وسائل النقل العام بحصة كبيرة من رحلاتها. بالنسبة للمدن في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، تعتمد معظم تنقلاتها على السيارات، بغض النظر عن حجم المدينة. في أوروبا، هناك تباينات كبيرة في حصتها من الوسائل، بدءًا من المدن التي تتميز بالتنقل النشط في الغالب (مثل أوتريخت) إلى المدن التي تعد فيها وسائل النقل العام أمرًا بالغ الأهمية (مثل باريس أو لندن) والمدن التي تكون فيها أكثر من رحلتين من أصل ثلاث رحلات بالسيارة (مثل روما ومانشستر).
المثير أنه من بين المدن الثمانمائة فإن المائة الأقل نشاطاً في المشي تقع جميعها في أمريكا الشمالية، نتيجة لعقود من السياسات المؤيدة للسيارات والدعم الحكومي، حسبما تذكر الدراسة. المدينة الأقل نشاطاً خارج أمريكا الشمالية هي برمنغهام، في منطقة ويست ميدلاندز البريطانية، وهي منطقة ارتبطت منذ فترة طويلة بصناعة السيارات في البلاد. المدينة الأكثر نشاطًا هي كيليماني، وهو ميناء بحري صغير في موزمبيق. المدن الأخرى في المراكز العشرة الأولى كلها تقع في أوروبا، بما في ذلك مدينتان في كل من هولندا وإسبانيا.
توضح الدراسة أن المدن الكبرى تميل إلى أن تكون أقل نشاطًا في المشي من المدن الأصغر حجمًا (حيث يمكن للناس التنقل بسهولة سيرًا على الأقدام أو بالدراجة لمسافات قصيرة). الدخل أيضًا مهم: فالمدن الغنية ترتبط بمزيد من التنقل بالسيارة، فقد وجدت الدراسة أنه مع ثبات جميع العوامل الأخرى، فإن مضاعفة دخل المدينة يرتبط بزيادة رحلات السيارات بنسبة 37 %.
وتخلص الدراسة إلى أن المسؤولين في العالم الغني يريدون على نحو متزايد خفض استخدام السيارات لصالح خيارات أرخص وأكثر صحة وأكثر مراعاة للبيئة. لقد تم استخدام الأماكن من سنغافورة إلى باريس، على مدى عدة عقود، في سياسات العصا والجزرة لتشجيع المزيد من الناس على التوقف عن استخدام السيارات (على سبيل المثال، من خلال بناء مناطق للمشاة أو فرض رسوم الازدحام). 30 % فقط من الناس يقودون سياراتهم للذهاب إلى العمل في سنغافورة، بينما 20 % فقط يفعلون ذلك في باريس. وحتى أمريكا تبدو وكأنها تتغير ببطء: إذ أصبحت الأجيال الشابة تقود سيارات أقل، وتقوم المزيد من المدن ببناء أحياء يمكن المشي فيها؛ على الرغم من أنه سيكون من الصعب ربط الضواحي المترامية الأطراف في الأماكن التي شكلت فيها السيارات التخطيط الحضري.