عبده الأسمري
من أعماق السريرة إلى آفاق البصيرة بنى صروح السيرة البيضاء والمسيرة العصماء المكللة بالإحسان والمجللة بالحسنى في سنوات عمر كان فيها «فاعل الخير» و»صانع المعروف» المتواري خلف ستار «الخبيئة»..
قضى سنوات عمره في رحاب «القرآن الكريم» وفي ميدان «الفرقان العظيم» ثاوياً في أهل «التقوى» يوزع إهداءات «الوفاء» في فضاءات «الفضل»..
رفع راية التعليم باكراً وسخر غاية التعلم مبكراً سائراً على منهج «الاعتدال» منتهلاً من نبع «الوسطية» محباً لوطنه محبوباً من معارفه متوشحاً رداء «التواضع» تسبقه «العبرات» وتخلفه «الدعوات» في قيمة «الفضائل» ومقام «المكارم».
سبعون عاماً قضاها في التجارة وظّف خلالها «المهارة» وحصد فيها «الجدارة» بشهادة الخلائق وريادة الحقائق موجهاً أرصدته نحو حلقات التحفيظ ودور الأيتام ومشاريع المساجد ومنازل المحتاجين بأكف بيضاء تعطي في السر وتتوارى حين الجهر.
إنه رجل الأعمال المحسن الشيخ محمد محمد البشري رحمه الله أحد أبرز داعمي جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ووجوه العطاء الخيري والسخاء التنموي في الوطن.
بوجهٍ جنوبي الملامح تسكنه علامات «الزهد» وصفات «الورع» وعينين دامعتين حين التأثر ولامعتين حيث التأثير مع تقاسيم تعكس أصول القبلية وفصول التنشئة وملامح ودودة تتكامل على محيا وقور ولحية بيضاء باهية تعكس التدين العميق وشخصية مؤثرة وسطية التوجه معتدلة الرأي زاهدة الظهور حميدة الصفات لطيفة القول عميقة القول وجيهة الشأن وأناقة تتدثر بالبياض الذي يعكس صفاء قلبه ووفاء فعله وصوت خليط من لهجة «جنوبية» سائدة في المجالس العامة و»لغة نخبوية» رائدة في منصات النصح ومواقع القرار قضى البشري من عمره عقوداً وهو يخدم القرآن الكريم ويكرم أهله وخاصته ويدعم جهات الخير ويؤصل معالم العون ويوظف معاني العطاء ويسلك سبل المحاسن ويسكب مداد الأثر ويوزع غنائم الفضل ويهدي مغانم النبل في اتجاهات الخيرات وآفاق المسرات بين المحتاجين والمعسرين والمساكين ليبقى «إرثه» مُشّعاً في ميادين «الاحتذاء» ومضامين «الاقتداء».
في حي «القابل» العتيق وسط مدينة أبها درة المصائف ولد في يوم شتوي حافل بالفرح ورافل بالسرور عام 1353 هجرية وسط أسرة محدودة الدخل وبين جيران «أكارم» استقبلوا النبأ بالمشاركة والمباركة.
تفتحت عيناه على أب كريم جواد ملأ قلبه بموجبات «الدين» وعزائم» الشرع» وتجرع يتم والدته مبكراً بمرض «الجدري» وهو رضيع لا يعرف ملامحها وارتهن إلى توجيه أبوي مزيج من الشدة واللين جعله مقيماً في «أمن» التوسط فنشأ وسط بيئة عادلة معتدلة قوامها «النفع» ومقامها «الشفع» وكبر وفي داخله طرائق الالتزام وطرق الانضباط.
تتلمذ الشيخ البشري في وقت باكر على يد عدد من المشايخ والعلماء في المنطقة حيث حفظ أجزاءً متعددة من القرآن الكريم وقرأ الحديث الشريف على سماحة الشيخين عبد الله بن يوسف الوابل والشيخ صالح التويجري
التحق بالتعليم العام ودرس في المدرسة السعودية وكان من أول خريجيها عام 1369هـ ودرس على يد الشيوخ عبد الرحمن المطوع، وموسى بن فَرَج.
بعد انتهائه من الدراسة تولى بعض الأعمال مع الدولة ومنها العمل على جباية الزكاة وتوزيع الصدقات على مستوى منطقة عسير عام 1374هـ في عهد الملك سعود وقضى فيها فترة من الزمن.
ولأنه مسكون بالتميز ونظراً لنصائح أولى تركها له والده فقد اتجه للعمل التجاري بشكل مبكر بدأه بشكل بسيط ثم اتجه إلى تجارة العقار وواصل أعماله ما بين جدة وعسير وأسس فندق قصر السلام ومؤسسات البشري التجارية والتي فتح لها عدة فروع..
منذ بدايته حرص على الإنفاق والصدقة ومتابعة شؤون المحتاجين وفتح قلبه قبل مكتبه لكل عابر سبيل أو مكلوم أو معسر ورغم انشغالاته التجارية فقد عمل في مجال الدَّعوة إلى الله من خلال إلقاء المحاضرات والخطب في الجوامع
كان اهتمامه الأول خدمة القرآن الكريم وأهله ومضى في هذا العمل المبارك لأكثر من (45) عاماً من خلال الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة عسير حيث ارتبط بالجمعية منذ تأسيسها عام 1390هـ حيث كان مدير إدارة ثم أميناً عاماً ثم نائباً للرئيس ثم رئيساً للجمعية وتعين عضواً في المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة.
وبعد مسيرة حافلة بالأثر تقدم إلى سمو أمير منطقة عسير عام 1436هـ بطلب إعفائه واستقالته من جمعية تحفيظ القرآن الكرين وتفرغ للعبادة.
ترك العديد من البصمات في الجمعية ومنها التحاقه بالجمعية وفيها حلقات محدودة جداً وكان اعتمادها على التبرعات والصدقات فقط، وليس لها أي موارد مالية ثابتة، وقام مبادراً بتأسيس العديد من الأوقاف والأملاك حتى اتسع نشاط الجمعية، وخرج منها بعد أن كَبُرَ سنه ووهن عظمه مسجلاً أرقاماً مميزة للجمعية حيث وصل عدد فروعها (302) فرع و(21) مكتب إشراف و(6) معاهد لإعداد معلمي ومعلمات القرآن الكريم و(2414) حلقة وداراً قرآنية و(52662) طالباً وطالبة في جميع محافظات ومراكز منطقة عسير، وقد امتدت قبل ذلك هذه الجمعية حتى شملت منطقة نجران وبعض محافظاتها قبل افتتاح جمعية مستقلة هناك.
اشتهر الشيخ بعنايته الشديدة بمنسوبي الجمعية من المعلمين والموظفين حتى شملت رعايته أسرهم ورعاية أيتام وأرامل من توفي منهم والإنفاق عليهم بسخاء لسنوات طويلة.
أنفق على الجمعية من ماله الخاص في عدة مشاريع، وكان آخر ذلك دعمه - رحمه الله - للجمعية بمبلغ وقدره (10.000.000) عشرة ملايين ريال لاستكمال شراء عقار في جدة، كما كان يقتنص أفضل الفرص وأحسن الاستثمارات ليُنمِّي بها موارد الجمعية المالية وله عدد من المشاركات في إصلاح ذات البين وله عضويات في عدة قطاعات وجهات وعُرِف عن الشيخ شغفه وحبه لبناء المساجد والجوامع في محافظات ومراكز منطقة عسير حيث يبنيها بأسلوب عصري وتصاميم حديثة.
وقد حرص الشيخ البشري على إنشاء بعض الأوقاف الخيرية الخاصة بالبر لتكون صدقة جارية له بعد مماته.
قام الشيخ البشري بتأليف العديد من المؤلفات على نفقته الخاصة ومنها (من صفات الجنة وأهلها - صفات عباد الرحمن وأهل الإيمان - الأمانة في الإسلام - الأُسرة المُسلِمة - الجنائز -الوصية - عذاب القبر ونعيمه).
حظي الشيخ البشري في حياته بحب وتقدير كبير جداً من المسؤولين في الدولة والمجتمع بشكل عام وتم تكريمه في عدة محافل ومنها تكريمه كرجل الأعمال المثالي وتكريمه بجائزة أبها للخدمة الوطنية وتكريمه بجائزة بصمة وفاء وتم تكريمه من قبل جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم لعام 1419هـ وقد أقامت الجمعية له حفل تكريم خاصاً على شرف نائب أمير منطقة عسير الأمير منصور بن مقرن رحمه الله تعالى.
وكرمه أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال بإطلاق اسمه على أحد الطرق الهامة بمدينة أبها باعتباره أحد أبرز رجال الأعمال في المنطقة، ومن رواد العمل الخيري.
انتقل الشيخ البشري إلى رحمة الله يوم الأربعاء 18-03-1442هـ في مدينة جدة بعد معاناة مع المرض وصُلِّيَ عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الجمعة 20-03-1442هـ ودُفِنَ في مقبرة شهداء الحرم في الشرائع بمكة المكرمة بناءً على وصيته وقد نعته الوسائل والرسائل والمنصات والوسائط المختلفة وترك من بعده ذرية مباركة فالحة صالحة سارت على نهجه ومضت على منهجه.
الشيخ محمد محمد البشري.. الرجل النبيل والمحسن الأصيل صاحب السيرة الغنية بالمكارم والمسيرة الثرية بالفضائل.