خالد بن حمد المالك
منذ السابع من أكتوبر العام الماضي والقادة الإسرائيليون يرددون بأن تحرير الرهائن لن يتم إلا بزيادة الضغط على الفلسطينيين، فكان أن قتلوا أكثر من 35 ألف مواطن فلسطيني وأصابوا بجروح خطيرة ثمانين ألف فلسطيني، وهدموا المنازل، وجوّعوا الأحياء منهم، ولكنهم لم يحرروا رهينة واحدة، ولم يقبضوا على واحد من القادة الفلسطينيين المؤثرين، ولم يبسطوا سيطرتهم على قطاع غزة.
* *
في المقابل جاء الضغط على إسرائيل، فبدأت تتنازل عن شروطها لتبادل الأسرى، وتتحدث عن استعدادها لوقف إطلاق النار، وتقدم أكثر من مشروع لأكثر من خيار للخروج من نفق الأزمة، بدلاً من احتلال القطاع, وتهجير الفلسطينيين، والعودة لسياسة بناء المستعمرات كما تفعل الآن في الضفة الغربية المحتلة، وكلها مسارات كانت مطروحة على طاولة الاجتماعات المتتالية لوزارة الحرب الإسرائيلية، دون تحقيق أي من أهداف إسرائيل المتمثلة في القضاء على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وتحرير الرهائن، والعودة لاحتلال قطاع غزة، وعدم إيقاف القتال إلا حين تتحقق هذه الأهداف.
* *
ومن تداعيات هذه الحرب، وضمن الضغوط التي تواجهها إسرائيل، خرج الإسرائيليون إلى الشوارع في مظاهرات غير مسبوقة يطالبون بوقف الحرب، وإعادة الرهائن قبل أن يتعرضوا للقتل، والتنديد برئيس الوزراء وأعضاء حكومته، والمطالبة باستقالتها وإجراء انتخابات مُبكرة تضمن إيقاف القتال، وعودة الرهائن سالمين، وهذا الضغط المحلي أقلق قادة الحرب، وأشغلهم، وجعلهم في خلافات بين مؤيد ومعارض لاستمرار القتال، دون هدف أو مخطط مقنع لما بعد هذه الحرب، أو اليوم التالي كما هو مصطلحهم.
* *
لكن الضغوط على إسرائيل لا من إسرائيل ظلت تتوالى بشكل مُوجع، فبينما تتواصل المظاهرات لأول مرة في الجامعات الأمريكية والأوروبية تطالب بوقف فوري للحرب، كانت محكمة العدل الدولية تنظر في عدوان إسرائيل على أنه حرب إبادة، وتصدر قرارات ضد اعتداءات إسرائيل، وتلزم الجانب الإسرائيلي بإيقافها فوراً، بينما يطالب المدعي العام بإلقاء القبض على رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه وتستجيب المحكمة لطلبه بناءً على تحقيقات قانونية مُوثقة.
* *
ولم تقتصر الضغوط على إسرائيل عند هذه الحدود، فقد سارعت ثلاث دول أوروبية (إسبانيا، النرويج، إيرلندا) بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967م ما قوّض الدعم الأمريكي لاستمرار إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية، وأظهر حجم الارتباك على الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وآخرين في مواجهة هذا الطوفان من القرارات والاحتجاجات التي عرّت الموقف الأمريكي المنحاز والظالم على مدى عقود من الزمن، وأظهرت حقيقة السياسة الأمريكية العمياء التي تتعامل بوجهين، فبينما تؤيد خيار الدولتين، تدعم إسرائيل بكل ما يمنع إقامة الدولة الفلسطينية.
* *
هنا نتساءل هل الضغط الذي تتحدث عنه إسرائيل وتتبناه ضد الفلسطينيين هو ما نراه الآن، أم أن الضغط على إسرائيل هو ما يحدث الآن، وماذا ستكون بقية تداعيات هذه الحرب، مع نهايتها، في ظل تغير الموقف الدولي دولاً وشعوباً من إسرائيل بعد أن رأوا عدوانها وقتلها للمدنيين وتهجير من هم أحياء من منازلهم أو قتلهم وهم داخلها، بلا إنسانية، أو رحمة، أو التزام بالقوانين الدولية؟