حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
طرق الشيخ -سقى الله ثراه- تراجم الأعيان، وتواريخ الأعلام، بطرق شتي أحياناً يمزج التاريخ بالسيرة والترجمة أثناء حديثه عن علم واحد، ومثال هذا: (ابن عربي موطد الحكم الأموي في نجد) وهو تحفة تاريخية بديعة، وفي أحيان أخرى يعمد إلى السرد التاريخي بشكل مزدوج مع دراسات المؤرّخين ومثالة ما جاء في كتابية: (مؤلفات في تاريخ المدينة المنورة) والآخر: (مؤرخو في نجد من أهلها) وفي أحايين ذهبت، طرق الترجمة التاريخية المعهودة في شذرات كتب التاريخ المؤرّخة لمراتب الناس وطبقاتهم، إلا أن الشيخ أبدع في هذا الجانب إيما إبداع فقد تمثّل منهجية ابن خلدون عالم الاجتماع الأول، حيث مزج هذا العلم وزانه بقراءاته الممتعة في كتب التاريخ ومصنفات الزمان بماضيه وحاضره، وحينما كان الشيخ -قدس الله ضريحه- يسير مسار الرسم التاريخي القديم من استعراض النسب والولادة والنشأة، والعلم بما فيه من تلاميذ وأساتيذ كان يحوصل في هذه المنهجية معلوماته غير أنها عند الشيخ فرائد وفوائد وطرافات، حيث أرّخ الشخصيات تاريخية ماضية قديمة، ولشخصيات معاصرة تعايش معها، وسبر غوارها، وكما أثنى ودرس وحلل وترجم وكتب، فهو قد تغنن في رثاء الأعيان، وبكاء أطلالهم، حيث جاء هذا الرثاء في كتابه: (في الرثاء وسير المرثيين) فقد بكي فيه بكاءً صادقاً بعيداً عن التحذلق والتحلق والتصنع والكلفة.
إذا اشتبكت دموع في خدود
تبين من بكى ممن تباكى
وأمعن الشيخ في حديثه وقصة لطلل المرثيين إمعاناً بارعاً، فكان يوغل فيها بقلم البارع والمحلل، وقد حازت هذه التراجم بقدر واف من عناية الشيخ واهتمامه، فقارئ مراثي الجاسر يتجول سائحاً باكياً مندداً، ويحس بمتعة روحية مع فكر الشيخ وتسلسله العجيب، وتربيته المنهجي المقنن، وأسلوبه التشويقي والشيخ ليس ممن تسطر فيه الأوراق، وتجمع فيه الكراريس، على نحو ما قاله العلامة أحمد شاكر -رحمه الله- في الأمام الشافعي -نور الله ضريحه- فالجاسر طراز فرد، ونتاج فذ، لا يتكرر إلا على رأس المئات من السنين حينما تثرينا بالمجدين، وقال عنه الأستاذ الدكتور أحمد الضبين: (نحن إذن بإزاء شخصية تتشوق إلى الكمال والحق تدرك أبعاد معرفة الإنسان مهما بلغ من العلم وما بذل من الجهد ولذلك فهي تتقبل النقد وتتطلب التجويد، وتؤمن بتراكم المعرفة والخبرة فتنفع المجال لكل مجتهد وترحب بالإضافة الجديدة وتلك وأيم الله أخلاق العلماء).
هذه الشخصيات المتناولة بين دفتي كتاب: (في الرثاء وسير المرثيين) هي شخصيات صحبها الشيخ الليالي والأيام الطوال، سبر غورهم، وجلى قدره ووقف على آثارهم ونتاجهم، وكتب عنها بقلم الجهبذ الصيرفي النزيه الذي يعرف مقامات الرجال وأوزانهم ومداخلهم ومخارجهم.
والأسد لا يورث إلا شبله فما زال حتى وقتنا الحاضر يتتبع مريدو الشيخ وعشاق علمه ونتاجه ودرره، أبحاثه وهي مقالات علمية أدبية تاريخية متطاولة، وقد تبعثرت بين ثنايا الصحف وأوراق المجلات العربية وهم كثر، ومن أبرزهم الدكتور عبد الرحمن الشبيلي -رحمه الله- الذي اهتم بتراث همداني الجزيرة العربية وأنصف اهتمامه على ما تفرق وتبعثر من نتاجه بين ثنايا الصحف، وطيات الصفحات فجاء هذا الكتاب مذيلاً بمراجعته وتعليقه، وما هذه المراثي إلا نهل من شهد الشيخ، وتأملاً في جهوده كعلامة مؤرخ مجدد. يقول الدكتور الناهض عبد الرحمن الشبيلي في مقدمة الكتاب القول التالي: (تبين للمركز أن الشيخ الجاسر قد خلف مقالات كثيرة في رثاء العديد من الأعلام الذين عرفهم أو جالسهم أو تبادل المعرفة معهم أو طلع على إنتاجهم العلمي) أما ما الذي جدده الشيخ آراء هذه التراجم فهو: (كان في كثير من الأحيان لا يكتفي بكلمات الرثاء التي يضمنها مشاعره تجاه المتوفين، بل يعززها بالمعلومات عن سيرهم وتراجمهم والحديث عن تراثهم ويعرض نماذج من خطوطهم). كذلك أثارت مقدمة الكتاب غلى مضمون والكتاب وما يحفل به فقالت: (يتضمن هذا الكتاب مقالات الرثاء والتأبين التي نشرها الشيخ الجاسر خلال فترة حياته الثقافية التي مارس فيها الكتابة والبحث والتأليف مدة تنيف على سبعة عقود، كما يتضمن مقالات الرثاء التي احتواها الكتاب الموسم بـ: «من إصدار الذكريات، وعلماء عرفتهم ففقدتهم» الذي أصدره د. عبد الله الجبوري (من العراق) منسوباً إلى الشيخ حمد الجاسر بعد وفاة الجاسر بثماني سنوات وذلك على اعتبار أن محتويات تلك المقالات تصب في موضوع كتابنا هذا وعنوانه).
هذه الأعيان هم رجال حول الجاسر قالوا فأبدعوا، وكتبوا فأثروا ومنهم على مسلك المثل لا الحصر: اليعقوبي، أحمد آتش، الدكتور جمال الدين الشيال، الدكتور يوسف العش، محمد علي التاجر، الأمير مصطفى الشهابي، رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، حسن حسني عبد الوهاب، حسين بن محمد آل سليمان، محمد سعيد باغفار، محب الدين الخطيب، عباس العزاوي، محمد حسين نصيف، محمد سرور الصبان، حمد العيدي وطه حسين، خير الدين الزكلي، المستشرف المسلم عبد الكريم جرما نوس، محمد حسين عواد، عبد الرحمن الناصر بن سعدي، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، محمد بن عبد العزيز بن مانع، محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، ابنه محمد جبن حمد الجاسر، عبد العزيز الميمني، عيسى الناعوري، عبد الله الخيال سامي الكتبي، محمد حسين زيدان وغيرهم. وقد خطيت بعض عناوين المراثي بجانب من حسن الشيخ الأدبي من ذلك: -من ذكريات أب حزين: ما آلم بكاء القلوب حين تستعصي الدموع، عيسى الناعوري: فارق الحياة باسماً، عبد العزيز ساب: رحمهم الله أبا هني: لقد كان أديباً حقاً، سباعي عثمان والفصل الذي لم يكتمل. فراس الصراحة والموضوعية فقيد الصحافة أحمد عبيد، إبراهيم أمين فودة: ورقة أخرى تسقط من شجرة الرواد، ومضى الأديب الفذ المغمور أحمد بن راشد آل مبارك، وثمة عناوين أخرى كان لها من الجمال والتشويق القدح المعلى.
وما يلاحظ على حديث الشيخ تجاه مراثيه صبغ الحديث وتطرزه بالأحداث التاريخية سواء أخصت المكتوب عنهم، أو أخصت الشيخ وعاصرها وخاض وطيسها وأمسك بزمامها مع رفقاء الدرب، والصحب من الأخوان، وكان -رحمه الله- متذوقاً للشعر، يستشهد بما جاد وزان وعبر منه، وقد ملك حب الشعر شغاف فؤاد الشيخ، فوظف لزيادة الكلام حلاوة وطلاوة، وأحياناً لسياق هدف، أو الإدلاء بمعلومة شحت مصادر ومراجع الشخصية عن سياقها. فكان الشاهد الشعري يطرق ذائقة الشيخ لماماً، وفي أحايين عفو الخاطر وفي الشيخ قوة حفظ عجيبة، وقدره عالية على توظيف ما يحفل به عقله من معلومات وأحداث، وحوارات، على ما كان يفترض، أو يكون، والشعر المستشهد به في المراثي، يدل على صيرفية الشيخ وجهبذته في انتقاء القصيد من عنوان القصائد والمراثي الشعرية، وحينما رثى الشاعر اليعقوبي «حسان فلسطين» قال عن شعره سمات سامية، وميزان رفيعة، لا يوظفها إلا ناقد في الشعر، جد خبير، يقول لك أيها القارئ الحصيف: (هو شاعر والشعراء كثيرون، ولكنه يمتاز بسلاسة الأسلوب، وبطول النفس، وبسعة الاطلاع، أو بمعنى أصح بالتبحر في علوم اللغة وآدابها.
هو عالم وقليل من الشعراء من يتصف بالعلم، إذ الشعر إلى عالم الخيال أقرب منه إلى عالم الحقيقة والعلم بالعكس).
ولا تسلتي أيها القارئ الطلعة عن جميل رثائه في فحل فحول شعراء العصر الحديث وهو العلامة خير الدين الزركلي، حيث قال عنه - ص104 (الأستاذ الزركلي يعد من فحول شعراء العصر، نشر كثيراً من شعره في المجلات التي كانت تصدر قبل نصف قرن، ولمقدرته الشعرية ولتملنه من اللغة، كثيراً ما يلتزم في شعره مالا يلزم كقوله:
عرَف الشعرَ بعضهم بالقوافي
وفريق بوزنه عرّفوه
إنما الشعر طعم ماء زُلال:
كيف يدري الزلال من مرَّفوه؟
فقد التزم في البيتين الأولين في القافية أربعة حروف، ...
وهذا في شعره كثير). ولا تسألني أيضاً عن رائق قوله، وشائق لفظه في الشاعر حسين سرحان - ص176 يقول: (عرفت فيه الأديب المثالي، والمترفع الذي لا يسمع منه كلمة لا تتمنى أن ينطق بها مثله، ثم هو أديب أصيل، وأقصد بالأديب الأصل أن أفكاره كانت تتبع من تراثنا الصافي، ولهذا تجد شعره كثيراً ما يمثّل شيئاً من بيئتنا). وعلك تصفي إلى روح النقد الوضاء حينما تحدث عن الشاعر - حسين سرحان. فقال: (وجدت في شعر حسين حوافر ثلاثة أثرت في نفسي أبلغ الأثر لتتبع قراءة ما يكتب وخاصة ماكان شعراً:
1- صدق الإحساس وعمق الشعور.
2- عمق الصلة وقوتها بين الشاعر وبين حياة بيئتة التي عاش فيها.
3- لا أحس فيما أقرأ من شعرائنا ما هو أقرب إلى ما أثر لشعراء العرب المتقدمين - أسلوباً وجزالة وصدق تعبير من شعر حسين- وكانت نتيجة هذا الإعجاب ما يتضمنه قول العلامة حمد الجاسر التالي: (ومن أثر تلك الحوافز الثلاثة أني اتصلت بالشاعر، وألححت عليه بأن يجمع شعره وأن ينشره وبعد إلحاح مني، ومطل طويل منه، دفع إلى دفتراً وبعد أن عمق على غلاف ذلك الدفتر أجنحة بلا ريش») ومن أجمل ما استوقفني في الكتاب أثناء الحديث عن الشاعرين خير الدين الزركلي والشاعر حسين سرحان أربعة أبيات شعرية في الترنم والتناغم على أيفونه الشيب، للعلامة الزركلي ما اختاره من بيتين ولحسين سرحان ما ساقه عنه من حديث ما هو إلا عبارة عن بيتين شعريين، وأسوقهما لك أيها - (النبيل) - لترى وتقدر ذوق الشيخ الشعري، وذائقته الأدبية، حيث أورد للعلامة الزركلي قوله في تقريظ الشيب:
قالت: كبرت فقلت: شاب لمتي
وعلىّ من بُرد الشباب إهاب
ليس الصَّبا بُليهنة الصَّبَا
أما السنون فما لهن حساب
والشاعر حسين سرحان اختار له:
يالا رتياع ابنتي لمار أن شعري
في الرأس يُومض مثل البرق في المطر
قالت: مشيب وكم في الشيب من عبِر
إن بان في صِغر أو بان في كبر
والجمال يغريك بمزيد منه، ومستأنف فيه، فمحطات الكتاب جد جميلة، وفوائد جد به بديعة وهي كثر غير أنه قليل بذكر أفضل من كثير يهمل ولا يذكر، ولك أن تطرب بما قاله الشيخ في الصفحات التالية:
انظر إن شئت في الصفحة رقم (11) مقدمة أدبية رنانة جميلة كتبها الشيخ في الشاعر الكبير أبي الإقبال اليعقوبي: (حسان فلسطين) تليق بمقامة وتناسب قدره. وص(14-19) ترجم للشاعر العنابة - خالد الفرج - مستعرضاً الطريقة المنهجية التاريخية التالية: الأسرة والنسب والولادة والنشأة والآثار والنتاج، متحدثاً عنه وعن نتاجه حديث الخابر العارف للاقط بكلمات جامعة مانعة تشير إلى الفتوى والمضمون. (ص22-23) وصف الشيخ الدقيق لمن رثاهم وصف الشاهد المعاين التي جاء الوصف فيها. كرؤى العين المجردة مثل: وصفة للعالم الألماني (ريتر) وعالم المخطوطات (أحمد آتش) ص (25) سبب بيع عالم الشام د. يوسف العش لكثير من كتبه، (ص26) أنفس ذخائر خزانة الشيخ محمد علي التاجر هي مؤلفات الربان النجدي» أحمد بن ماجد، وكذلك أنفس ما نسجه براع التاجر، (ص29) عصامية الأستاذ فؤاد السيد عماره أمين في رسم معرفته بالخبرة الشخصية، والمران الذاتي، حيث يرى الشيخ (ص29) أنا كثيراً من صقل الشخصية وتربية المعرفة الذاتية أنفع وأجدى من تعليم المدارس المنظمة (ص30) أسماء المخطوطات التي صورها أ. فؤاد السيد عمارة أثناء رحلتيه لليمن والأولى منها كانت في غضون عام 1952م، (ص34) مؤلفات الأمير مصطفى الشهابي، (ص37) قصة التعارف بين الشيخ وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب، (ص40) رأي العلامة التونسي حسن حسني عبد الوهاب في علوم المستشرقين، وكتبهم المقروءة، ثم علاقته القوية بالعلامة خير الدين الزركلي، وحزن الزركلي الشديد على موقف الصحافة العربية من موت العلامة التونسي حيث لم تفه حقه عن جهوده (ص41، 43، 46، 47، 52، 53، 55) جاء فيها: حديث علامة تونس عن جهوده في مجمع مكتبته وكتابة: صدور الأفارفة وكان يسميه (العمر)، ومؤلفاته وكلمة عن ترجمته (حياتي) حوصل فيها ما أنجزه في (75) عاماً وقد كتبها قبل موته بأيام قلائل، ورأيه في ملك مصر آنذاك» أحمد فؤاد» وإعجاب الملك الشديد بعبارة عالم تونس وهو على مائدته: موائد الملوك إنما هي للشرف لا للعلف وثمة لقاء العلامة بمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. رحمه الله وطيب تربته - (ص64) تقريظ العالم الجليل. محب الدين الخطيب - لجملة اليمامة التي أصدرها الشيخ حمد الجاسر، وكان التقريظ الجميل في مجلة الأزهر النضيرة. (ص65) تعارف الشيخ مع عالم العراق (عباس الغزاوي)، وفي (ص67، 68، 69، 73) حديث السيخ الماتعن حياته، وسبب توجهه لدراسة علم التاريخ، ونتاجه، وعضويته في مجامع اللغة العربية واللغة التركية.
(ص75، 79) مكتبة كل من الشيخ محمد نصيف والشيخ محمد سرور الصبان وهما من أثرى وأغنى المكتبات بالكتب والمخطوطات وزيارة العلامة الجاسر لهما. (ص85) خمسة علماء كانت وفاتهم سنة 1393هـ وهم: الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، والشاعر محمد عزيز أباظة، والشاعر علي السيد الجندي، والأستاذ محمود تيمور، والأديب د. طه حسين - رحمهم الله جميعهم.
(ص78) قصة التعارف بين كل من د. طه حسين، والشيخ الجاسر.
(ص88) الراجح أن د. طه حسين هو من أطلق لقب علامة الجزيرة العربية على الجاسر.
(ص88) أرسل د. طه حسين للجاسر جزءاً من أجزاء سير أعلام الكتاب ليحققه وسبب عدم قيامه بذلك، (ص90) نقد الشيخ الجاسر لكتاب (في الشعر الجاهلي) بحضره طه حسين، وقوله عن كتاب:(إنه من شطحات الشباب كشطحات الصوفية) واطمئنان الجاسر وأنسه بم سمع منه. (ص95) حدثت الحرب في لبنان فلم يغادر الزركلي خوفاً على مكتبته العامرة بنفائس الكتب والمخطوطات. (96) ثناء الشيخ على كتابة الأعلام للزركلي، (ص100) توارد الأفكار بين كل من الشيخ والعلامة الزركلي، (ص100) أيام عصيبة مرت بالشيخ حمد في بيروت، (ص102) زيارته للزركلي في مرضه العصيب وتأثره بذلك، (ص110) بداية توثق عروة الأخوة بين الشيخ والشاعر محمد حسن عواد، (ص117) كانت بداية الشيخ عبد الرحمن بن قاسم حين اشتغاله بالعلم منصرفة إلى تدوين تاريخ تاريخ نجد ثم سبب انصرافه عن هذا العلم. (ص116، 118، 120، 122) نماذج من خطوط أعلام هذا الكتاب، (ص121) كان الشيخ حمد يقرأ المخطوطات عند الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وكان الشيخ يقرأ عويص ما خط للكاتب والناسخ عبد الله الربيعي (ص136) معارك أدبية خاص الشيخ غمارها وقول الشيخ فيما جرى بين الأستاذ عبد القدوس الأنصاري: (وأنا عندما انتقد رأياً لأي إنسان ليس معنى هذا أني أجرده من كل فضيلة)، (ص240) أصل الاختلاف بينه وبين الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في ضبط اسم مدينة (جده) (ص244) توقيع الشيخ لبعض مقالاته بالأصمعي، (ص163) الشيخ يقول: اثنان إذا سمعتها يخطبان تمنيت ألا يسكتا طه حسين ومحمد حسين زيدان.
(ص165) حديث الشيخ عن أسلوب الزيدان ووجه التشابه بينه وبين أدباء وفحول عباسيين، (ص173) قل أن يصدر كتاب في التاريخ أو الأدب أو الشعر أو القصة لم ينظر فيه الشاعر الفحل: حسين سرحان، وذكر الشيخ أنه شاعر نبطي، وأديب المعي، ويرى الشيخ أن نثره أكثر إبداعاً من شعره، (ص177) أزمة الشاعر حسين سرحان النفية بموت ابنه وجهود الشيخ في مساعدته، على تخطى تلك الأزمة النفسية، (ص184-192) قصيدة الشيخ وكلمته في تأبين العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، (ص200) الأستاذ محمد سعيد كمال ممن كتب في تاريخ الطائف أبحاثاً تاريخية علمية، (ص204) كان الأديب عبد العزيز الرفاعي عراقي النسب، أريحية الشيخ في مديد العون للأديب الرفاعي، (ص207) رسائل قدمت للشيخ من الأديب يحيى بن محمود بن جنيد، (ص224) أريحية الشيخ في تقبل النقد لما يكتبه من حقائق ومعلومات، (ص229) حتى الشيخ العلامة ابن باز الشيخ حمد في تعجيل إصدار صحيفة (اليمامة) (ص230) رأي ابن باز في زوايا النساء الصحفية وقد كتب للجاسر مكتوباً جاء فيه: (أما الزاوية النسائية فلا بأس ببقائها، إذا تولاها ثقة بصير بالدين، لأنه قد ينشر فيها ما ينفع الرجال والنساء، في الوقت الذي قل فيه التفات الناس غلى النصائح، ومطالعة الكتب المفيدة) والمتأمل بالكتاب يحظى بفوائد وفرائد لؤلؤية أضعاف ما ذكر بكثير، فالشيخ -رحمه الله- ورحم من رثاهم يغرف من بحر لا تكدده الدلاء وقد كان القدر باعثاً من بواعث بكاء الشيخ وهطول دفعة، فعبر برائع مفرداته عما يختلج في صدره من لواعج وأحزان كان هو حال الشيف في بكاء الأبعدين صلة، فما ظنك به هو بفقد ابنه محمد لوعة وحسره وفرارة الوادع، وفاجعة المصيبة، وجلل الخطب، وإن كان الدمع قد غلف بكاء الشيخ على صحبة ورفقته ومعاصريه وذويه إلا أن حرفة الكتاب كانت في أوج استعمالها حينما رثى محمداً.
فقال:(حين بدأت أن أولف إلى مرحلة الشيخوخة رزقت بابن هو الأول، وذلك في عام 1370هـ، ولا يعنيك ما بذلت في سبيل تربيته وتنشئته، وفق ما أرشحه في مستقبل حياته، وكنت أرى في حيوتيه وقوته، جسماً وذهناً وفكراً وخلفاً ما ملأ قلبي اطمئناناً وثقة بأنني حين أخلي مكاني في هذا الوجود فلن تعدم أسرتي العميد الصالح) والعلامة لم يكن إلا من النابهين الذين الموت مشاعرهم، ومن نافلة القول الإشارة أن من كان اسم محمداً قيلت فيه طوال القصائد وأرق المراثي، فقد يبح المحمدون لواعج العظماء، وحزازات الرومي كان واسطة عقد أبنائه ولداً سمي بمحمد، أبدع الشاعر في البكاء عليه، وندبه وترقق في ذكره من ذلك قوله:
كم مقلة بعده عبرى مؤرقة
كأنما كحلت سماً على رمد
جادت عليه فأغنت أن يقال لها
يا عين جودي بدمع منك مطّرد
والشاعر السعودي الحديث حسين سرحان أثار ابنه محمد شجونه فإذا به يعجز عن دفنه، ويقول في ذلك الشيخ: (والرجل حقيقة لم يهنأ في دنياه فقد ابتلي قبل 25 عاماً بحادثة قضت على أكبر أبنائه (محمد) قال: أين العشاء بأنه قيل له: أحسن الله عزاءك في محمد قال: أين هو الآن..؟ قالوا: أشلاء مقطعة من السيارة، قال لهم: اذهبوا به وادفنوه... أصيب بتأثر نفسي، أصبح بسببه حبيس بيته، حتى مضت فترى من الزمن، وكنت حاولت أن أخرجه مما وقع فيه من تأثير نفسي سيئ، وتمكنت من ذلك...) وكان للشيخ بكاء آخر لا يقل لوعة وحسرة ومرارة وذلك حينما احترقت مكتبته العامرة في بيروت، كانت عاطفته على أشدها، لدرجة أن حزنه عليها كان يفوق حزنه على ابنه محمد، فقد امتدت نار الوهج فكوت شغاف فؤاده المعلق ببنات فكره، والمتيم بشوارد كتبه، وذلك لأنها مما يذخر بها عقله، وتأنس بها نفسه، ويسعد بها وقته فمن خلالها يتنفس الأدب، ومن رجائها يترنم العلم، فقد بذل فيها وكل غال ورخيص، وكبير وصغير، وبعيد وقريب، وفي ذلك يقول:- برد الله تربته (... الغرق بين المصيبتين، فقدان الابن لا يعني في كثير من الحالات سوى أهله وذويه، بخلاف احتراق مكتبته هي بالنسبة لصاحبها الباب الذي يلج منه إلى نفوس مجتمعه ...)، إن أثر ضياع مكتبتي لا يزال هو إلى ساعتك الآن، لم يتغير بخلاف أثر مصيبتي بفقد ابني ...)
وأخيراً: فقد تميز نتاج الشيخ في مراثيه بسمات اختلف بها عن نتاج ذوي العلم، وصنّاع الكلمة، وأرباب القول، ودونك مذهب الشيخ في رثائه، فقد خرجت مراثيه بمقدمة وتمهيد مؤثرين، وفيها كشف لبواعث الرثاء، كما خطيت برد الأحداث والأحاديث التاريخية، وقصة الوصال، ومتعة التعارف، وكان يعرج على نشأة من يرثيه وعلمه وثقافته ونتاجه ودأبه وحدبه، حتى تشكلت الترجمة الرثائية وعلت وسمت، والشيخ معروف عنوانه، مفهوم رسمه، فحينما يحدثك ويحكى لك القصة الحزينة، والخطب الجلل فثق تماماً أنه يشكل ويصور لك أبرز محاور وأبعاد الشخصية المحللة، فلشيخ قدرة بارعة على الوصف والرسم تجلت في سيره التاريخية، وكتبه التراثية، ومعجمه الجغرافية، فهنيئاً لتلك الرموز رثاء العلامة لهم، هم عظماء محدثون عرفهم وأحبهم ثم فقدهم مما كان له الأثر البالغ في تشكيل حزنه، ودمع عينه إنه الموت عظيم الخطب لا تهدأ له نفس، ولا يطيب له مضجع حتى يرث الله الدنيا ومن كدح فيها، ومن منا من لم تلذعه حسرة الموت على عزيز قد تعلقت أوصال النفس به، وهو حزين على فرد واحد، إلا أن حزن الجاسر كان على أعيان وأعلام وأفذاذ خسر المجتمع بفقدهم ورقة من أوراقه الوارفة، وفي رثاء الجاسر تشكلت ألوان الرثاء من تأبين وعزاء وندب.
فتأبينه ثناء خالص، وعزاؤه عقل غالب، وندبه أنه حرى. لك الله أيها الشيخ ومن منا كمثلك فقد طاف بك حزن عميق، عليك جرح عتيق، في أشلاء نفسك بمكتبتك وأبحاثك، وفي أهلك بابنك، وفي مجتمعك بمحبيك ورفقتك وبلدييك، نضر الله قولك، وبرد ترتبك، وكرم مثواك.
خذ الحياة كما هي ليل ينقضي إثر ليل، وقوم يذهبون إثر قوم، وقل كما قالت خناس الرثاء:
فلولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أعرف النفس عنه بالتأسي
** **
تأليف/ فحل الجزيرة العربية وعلامتها: حمد بن محمد الجاسر -برد الله تربته-
مراجعة وتعليق: د. عبد الرحمن الشيبلي - أكرم الله مثواه
الشيخ حمد الجاسر رجل شمولي الثقافة.. تراثي الأرومة.. موسوعي المعرفة:
عليك سلامُ الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما