فضل بن سعد البوعينين
كشفت حادثة التسمم الغذائي التي شهدتها مدينة الرياض، عن المخاطر التي قد يتعرض لها المستهلكون، وتؤثر في ثقتهم بأحد القطاعات الاقتصادية المهمة، وهو قطاع الأطعمة والمشروبات.
فسلامة الغذاء وجودته أولوية محققة لأمن المجتمع، وصحة أفراده، ولأهميته، ومخاطره المؤثرة على الصحة العامة، وضعت له معايير دولية ووطنية وفق منظومة محققة لمتطلبات الصحة العامة، وسلامة المجتمع.
وفي المملكة، أُنشِئت هيئة الغذاء والدواء، وأُصدِرَ «نظام الغذاء» الذي يهتم بسلامة الغذاء، والعمل على تحسين جودته، وحماية الصحة العامة للمستهلك من خلال تقليل المخاطر المرتبطة بالغذاء، ونشر التوعية الغذائية السليمة، وحماية المستهلك من الأطعمة الضارة أو المغشوشة أو المضللة أو غير الصالحة للاستهلاك، إضافة إلى عدم إعاقة حركة تجارة الغذاء. استكمال البنية التشريعية لقطاع الغذاء، وتحديد المرجعية المسؤولة عن ضبط مكوناته، وبما يحقق أمن وسلامة المجتمع وصحة أفراده، من أهم المقومات المعززة والمنظمة للقطاع، والمحققة لسلامة المستهلكين.
استدعت حالة التسمم الأخيرة تَدخّلَ جهات حكومية مختلفة، مدعومة بتوجيهات عليا كريمة، لكشف مسبباتها، ومعالجة تداعياتها، ومحاسبة المقصرين في تحقيق متطلبات أمن الغذاء والصحة العامة في السوق السعودية، ما يؤكد أهميتها القصوى.
مخاطر التسمم الغذائي المرتفعة، التي قد تصل حدّ الوفاة، وتأثيرها الصحي والاقتصادي، وإمكانية انتشارها مالم تتم السيطرة عليها، حملت القيادة على التدخل السريع، وإصدار توجيهات كريمة للجهات المختصة، من وزارات وهيئات ولجان، ما يؤكد الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة لكل ما من شأنه ضمان سلامة المجتمع، والصحة العامة لكل مواطن ومقيم على الأراضي السعودية.
تَدخّلُ هيئة الرقابة ومكافحة الفساد كطرف رئيس في القضية، عكس أهمية الحدث الاستثنائية، وربما ظهور شبهة فساد في التعامل مع مجريات القضية التي أخذت حيزاًص كبيراً من الاهتمام الشعبي والتغطيات الإعلامية، وهددت أحد أهم القطاعات الاقتصادية بالخطر.
أصدرت «نزاهة» بياناً رسمياً أكدت فيه متابعة «خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -، باهتمام بالغ التسمّم الغذائي الذي حدث في أحد مطاعم مدينة الرياض، وقد صدرت في حينه التوجيهات الكريمة للجهات المختصة التي باشرت الحدث»، وطالبتها برفع تقارير مفصّلة على مدار الساعة عن ملابسات التسمّم وأسبابه والمتسبّبين فيه، وأكدت في بيانها: «بأن الحدث لن يمضي دون محاسبة كل من يثبت تقصيره أو إهماله أو تهاونه بالسلامة أو الصحة العامة أو قيامه بعمل يُقصد به تضليل إجراءات التقصي والتحقيق من وصولها إلى الحقائق المتعلقة بمسببات التسمم». ومساءلة ومحاسبة كل مسؤول، أيًّا كان منصبه، وقد تم تشكيل لجنة عليا للتّحقق من ذلك ومتابعة تنفيذه.
اهتمام كبير من القيادة، ومتابعة دقيقة لمجريات الأحداث، وكل ما يؤثر في حياة المواطنين والمقيمين، وتفعيل مهم لجهة رقابية كان يُعتقد بأنها خارج منظومة الرقابة على الغذاء، غير أن حالة التسمم الأخيرة كشفت عن تداخل المسببات بما فيها الفساد الإداري الذي ربما تسبب في محاولات إخفاء أو اتلاف أدلة، أو وجود «تواطؤ من قِلّةٍ من ضعاف النفوس من مراقبي ومفتشي المنشآت الغذائية ممن سعوا لتحقيق مكاسب شخصية غير مبالين بالسلامة والصحة العامة».
اهتمام القيادة، وتوجيهاتها الكريمة، أعادت الأمور إلى نصابها، وعززت ثقة المجتمع بالجهات المعنية بحماية الغذاء والصحة العامة، كما كان لها أكبر الأثر في تعزيز الثقة بأحد أهم القطاعات الاقتصادية، وهو قطاع الغذاء، والمرتبط بقطاعات أخرى كقطاع السياحة، والترفيه والتجزئة، حيث يسهم القطاع بما يقرب من الـ 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبحجم تبادلات تجارية تناهز الـ 100 مليار ريال، إضافة إلى إسهامات القطاعات الاقتصادية الأخرى، الأكثر ارتباطاً بالأطعمة والمشروبات. ما يؤكد خطورة التداعيات الاقتصادية، بالإضافة إلى المخاطر الصحية، لحالة التسمم التي ظن المقصرون أنها حالة جانبية يمكن إخفاؤها، أو تجاوزها بصمت، بعيداً عن المتابعة الرسمية العليا، أو تدخل الجهات الرقابية.
حسن إدارة الأزمة، والجاهزية وسرعة التدخل، من أهم أدوات المعالجة الجيدة، وهذا ما ظهر في أزمة التسمم الغذائي.
تُسهم الرقابة المستدامة، ومحاسبة المقصرين، في تعزيز حماية المجتمع من المخاطر المختلفة، وضبط الجودة، وتحقيق متطلبات الصحة العامة، خاصة في قطاع الغذاء الذي انتشرت فيه مؤسسات فردية تعمل على إنتاج بعض الأغذية ذات الطلب المرتفع، بمعزلٍ عن معايير الجودة والسلامة والصحة العامة، كما أن هناك عمالة مخالفة امتهنت تزوير الأطعمة، بعد أن أنشأت معامل صغيرة في شقق سكنية لإنتاجها وترويجها في السوق المحلية. مثل تلك المخالفات لا يمكن وقفها إلا من خلال الجهات المعنية بالرقابة على الأسواق والغذاء، ما يعني أن تقصير تلك الجهات في أداء مهامها، أو التستر عليها من قبل قلة من ضعاف النفوس، سيتسبب بالإضرار بصحة المواطنين والمقيمين وسلامة البيئة، وشركات الإنتاج الموثوقة وقطاعات الاقتصاد. أجزم أن لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد الدور الأهم في الحد من تلك الممارسات الخاطئة، وردع المتواطئين، وتهاون بعض الجهات الرقابية في أداء مسؤولياتها، وتجفيف السوق من الممارسات المدمرة للمجتمع والمضرة بالصحة العامة.