علي الخزيم
- اضرب عصفورين بحجر واحد: مثل دارج؛ لكن من ذاك الماهر القنَّاص القادر على اصطياد عصفورين بضربة واحدة بذات الحجر؟! هذه المهارة لن تكون إلا بمساعدة معايير مصاحبة لوضع العصفورين؛ وعيني القنَّاص بأن لا يكون أحول؛ كما أنه لا يمكن أن يصطاد أسدين مثلاً بحجر واحد، فالمعيار الأول هو أن الطائرين اللطيفين لا بد أنهما ملتصقان ببعضهما أو قريبان جداً بمسافة الصفر كما يقال؛ وإلا لما استطاع النيل منهما بضربة واحدة قاضية.
- أميل إلى أن الطائرين الرشيقين كانا عاشقين على وشك عقد القران وهما على غصن يتفاهمان حول الإجراءات النهائية، أو أنهما متزوجان حديثاً ويتباحثان بشأن تربية الصغار، وبكلتا الحالتين فالجناية بحقهما مريعة، فقتل حبيبين أو إيتام صغارهما جريمة بإصرار وترصد! مع حرمان البشر من ذريتهما الجميلة التي ستملأ صباحاتنا وأجواءنا شدواً وتغريداً.
- لو نطق الحجر المستخدم بالحادثة فسوف (يعبر عن قلقه) حذوه حذو أمين عام سابق لمنظمة دولية كان يعبر عن قلقه باليوم عدة مرات مع كل انتهاك يطال عرباً أو مسلمين بالكرة الأرضية غير أنه لا يحرك ساكناً لمعالجة وحل قضاياهم، لكن لو أن عصفوراً قتل ببلاد الغرب لانتفض ودعا لتنفيذ قرارات لمحاسبة الجاني، والحجر هنا قطعاً سيكون أرق وألطف من قلب كل من يدعي بالغرب - كذباً - أنه قلق بشأن قضايانا!
- العصافير بكل فصائلها وألوانها طيور وديعة رقيقة حتى إن الإنسان اللطيف يشبه بها فيقال بأن فلاناً طيب وقلبه قلب عصفور، والعصافير لا تنفك عن التغريد بشدو جذاب أعْذب ما يكون سويعات الفجر والإشراق، أما عند الغروب فهي فوق الأشجار تحتشد وتتخاطب بحماس عملي يجلب الأسماع إليها وكأنها تسابق الزمن وأشعة الشمس لترتيب شأنها بأعشاشها، ولا تسكت إلا بغلبة الظلام.
- إطلاق المثل - عصفورين بحجر - يُراد منه أنه يمكن إنجاز عملين أو أمرين بوقت واحد؛ غير أن اختيار العصفورين لاستجلاء المثل كان بحد ذاته مزعجاً لهواة تربية هذه الكائنات اللطيفة، ومع ذلك فإن العصفور لم يسْلم من أمثال العرب - وغيرهم - فقد قيل: عصفور باليد خير من سرب على الشجرة، كما استعملوه لأمر لا يناسب جمال العصفور حينما قالوا كناية عن التكبر: طارت عصافير رأسه! وللتعبير عن الجوع يقولون غنت عصافير البطن؛ ومهما قالوا فإن للعصافير شأناً لافتاً بحياة البشر؛ ومن الظلم رميها بالحجارة أو مجرد إزعاجها.
- ولا تعجب حين تسمع قولهم (أعز من لبن العصفور)؛ فهي حقيقة وليست تعجيزاً أو خيالاً لكنه لبن نادر، وبحسب مختصين فإن للعصافير طريقة لإرضاع صغارها بتكوين لبن متكثف كأنه فتات الجبن بحويصلاتها وعند تغذية الفرخ تخرجه إلى فمها ثم إلى حلق الصغير بالعش، وهو لبن لا يختلف بتركيبه الكيميائي عن حليب أي حيوان، والمدهش هو أن كلاً من الذكر والأنثى يفرز اللبن من الحويصلة فيشتركان بإطعام الصغار، فما أجمل هذا الكائن وأروعه؛ وتبارك الله الخالق المبدع سبحانه!