أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير - حسين الدوسري:
في بادرة من صحيفة الجزيرة لعمل لقاءات حوارية مع كبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين لتوثيق مسيرتهم الذين خدموا الوطن ولنسلط الضوء على إنجازاتهم ومسيرتهم العملية ونسأل ماذا يعملون بعد ترك الخدمة.. كذلك نستطلع آراءهم حول عدد من المواضيع الاجتماعية وعن النهضة والإنجازات التي تحققت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
وحوار هذا اللقاء مع معالي سفير خادم الحرمين الشريفين في كل من باكستان ولبنان د. علي عواض عسيري.. فماذا قال عن تجربته الدبلوماسية؟ وماذا قال عن كثير من القضايا؟
* هل لكم أن تحدثنا عن السيرة العملية؟
- عملت سفيراً للمملكة العربية السعودية السابق في لبنان وباكستان، عملت سابقاً كمدير لإدارة الأمن الدبلوماسي بوزارة الخارجية السعودية في الرياض. وقد حصلت على أعلى الأوسمة من كل من باكستان ولبنان والمملكة العربية السعودية على مساهماتي الدبلوماسية. شغلت منذ تقاعدي من العمل الدبلوماسي في عام 2017 منصب عضو مجلس إدارة في «المعهد الدولي للدراسات الإيرانية» (رصانة) ومقره الرياض، حصلت على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بيروت العربية، ونشرت بشكل مكثف الكتب والمقالات المهتمة بالعلاقات الخارجية السعودية والقضايا الاقتصادية والأمنية الإقليمية في الخليج والشرق الأوسط، أنا مهتم بالاطلاع على الأبحاث العلمية والكتابة حول هذه المواضيع كما أحب التعرف على الثقافات والأيديولوجيات المختلفة والتفاعل بشكل وثيق مع أشخاص من خلفيات متنوعة.
* ماذا عن التعليم؟
- حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بيروت العربية في لبنان بالاشتراك مع جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة. وحاصل على شهادة ماجستير في العلاقات الدولية، جامعة برينستون، إسلام آباد، باكستان. وحاصل على بكالوريوس في علوم قوى الأمن الداخلي من معهد الضباط، الرياض. وحاصل على شهادة من الجمعية الملكية للفنون في اللغة الإنجليزية، المملكة المتحدة.
* متى كان تخرجكم من العسكرية؟
- تخرجت في عام 1976 برتبة ملازم من معهد ضباط الشرطة في الرياض ودرست هناك لعدة سنوات، ثم ذهبت إلى المملكة المتحدة لاكتساب المزيد من التدريب بداية حياتي المهنية كعضو لدى قوات الأمن الداخلية السعودية، وبعد إتمام الدورة المتقدمة في الإدارة الحكومية من «المعهد الملكي للإدارة العامة»، التحقت بكلية شرطة هندون في لندن، كما تلقيت تدريباً في «سكوتلاند يارد» وشرطة «مانشستر متروبوليتان»، وبعد عودتي إلى السعودية نقلت خدماتي إلى وزارة الخارجية وعُينت مديراً لإدارة الأمن الدبلوماسي، وكجزء من هذه المهمة تلقيت تدريباً مكثفاً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا، بما في ذلك دورات مهنية بشأن مكافحة الإرهاب والأمن الدبلوماسي وإدارة الأزمات العليا والمفاوضات المتعلقة بالرهائن، وقد ساعدني هذا التدريب على تثقيف الدبلوماسيين السعوديين حول المخاطر الأمنية للعمل في الخارج وكيفية التكيف مع البيئة الأمنية في البلدان المضيفة، كما درست في «معهد الدراسات الدبلوماسية» التابع للوزارة وكذلك في «معهد الأمير سعود الفيصل» الدبلوماسي، وشاركت في التحقيقات المتعلقة باغتيال دبلوماسيين سعوديين في عدة بلدان، ورأست اللجان السعودية المكلفة بفتح بعثات دبلوماسية في ألبانيا والبوسنة وهنغاريا وأفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، ثم ترقيت لرتبة عميد، قبل أن أعمل أخيراً سفيرا فوق العادة والمفوض في باكستان ولبنان.
* ما هي الامتيازات التي حصلت عليها؟
- حصلت على أعلى جائزة في باكستان وهي «هلالباكستان» تقديراً لأدائي.
* أُطلق اسمي على ميدان يقع في قلب العاصمة الاقتصادية لاهور باسمي (ميدان السفير السابق علي عواض عسيري) اعترافاً بجهودي الدبلوماسية التي سعت إلى تعزيز العلاقات السعودية الباكستانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
* حصلت على أعلى وسام في لبنان تقديرا لجهودي.
* حصلت على وسام الملك عبدالعزيز ووسام الملك فيصل تقديراً لخدمتي في المملكة العربية السعودية.
* تلقيت العديد من رسائل الامتنان من رئيس وزراء باكستان، ومعالي وزير خارجية باكستان، ورئيس العدل في باكستان، والعديد من المسؤولين في جمهورية باكستان.
* تلقيت رسالة تقدير من الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» لكتابي «مكافحة الإرهاب: دور السعودية في الحرب على الإرهاب» (أوكسفورد).
خدمة والدي
أعطيتها الأولوية
* لماذا تقاعدت مبكراً خصوصاً أنك أنت الذي طلبت التقاعد؟
- كان ذلك بسبب مرض والدي فقد اضطررت لطلب التقاعد مبكراً وكرست جهدي أن أكون بجانبه.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
- تكمن المتعة عندما يعود الواحد إلى وطنه خاصة العاملين في السلك الدبلوماسي، أنا قضيت 17 عاماً من الغربة، هذه المدة أبعدتني عن الأهل والاخوان والعائلة وبعد عودتي إلى أرض الوطن فرحت أنني سوف أسدد الدين الاجتماعي لجميع الأقارب والأصحاب والأصدقاء.
* هناك من يتكيفون مع الحياة بعد الخدمة وهناك من لا يتكيف: هل من أسباب؟
- التقاعد في بداية حياة الإنسان خصوصاً بعد المسيرة الطويلة مهم جداً أن يعطي لنفسه شيء من الراحة ويعطي أسرته أيضاً ما فقدوهم هناك من يعملون في بناء حياتهم قبل التقاعد. لقد وضعت لي برنامج متكامل رياضي وترفيهي واجتماعي أسير عليه أنا وأسرتي.
* النقلة الحضارية في المملكة.. كيف تراها؟
- هذه النقلة غير مسبوقة في التعليم في الصحة في الرياضة في المعالم التي يتم حالياً تطويرها مثل العلا- السودة - نيوم - الدرعية - القدّية من خلال رؤية حكيمة لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، والتي أشادت بها كثيراً من الدول.. المواطن السعودي لم يعد في حاجة إلى السفر للخارج بعد أن توفرت لدينا كل مقومات الترفيه.
* هل أنت مع الاستفادة من خبرات المتقاعدين الذين يملكون الخبرة؟
- نعم أنا معها وبقوة أن يستفاد من خبرات المتقاعدين خصوصاً أن هناك متميزين وأصحاب عقول نيرة.. ممن ساهموا في تطوير العمل في مواقعهم السابقة.. وهناك كفاءات وطنية مؤهلة وصحتها طيبة وعطائها طيب وأنا أشجع أن يستفاد منهم.
* كيف تجد عمل جمعية المتقاعدين.. هل لكم تواصل معهم؟ وكيف تنظر إلى خدماتها؟
- أنا بعيداً عنها، ولكن هناك من يثنون على عملها، وهناك من يطالب بإيجاد نوادي للمتقاعدين، أماكن ترفيهية في عموم مناطق المملكة وتوسيع عمل هذه الجمعية.
* هل أنت مع عودة الشخص بعد التقاعد إلى مسقط رأسه بدلا من الجلوس في المدن؟
- من عاشوا من المدنيين أو العسكريين في بداية حياتهم في المدن وخلفوا أبناء وبنات وتزوجوا لا يمكن أن يتأقلموا مع أوضاع القرى والهجر، لأن عودتهم إلى مسقط رأسهم يعزل نفسه عن أبنائه وأحفاده وأصدقائه.
* هناك زحام وكثافة سكانية في بعض مناطق المملكة المهمة، هل أنت مع إنشاء أحياء مساندة للمدن الكبيرة؟
- أنا أعتقد بأن الزحام الموجود في بعض المدن وخاصة العاصمة الرياض ومدينة جدة فإن الدولة ملمة بهذه المشكلة وتدرك ذلك وتدرس الحلول لها، وأنا أؤيد أن يكون هناك أحياء مساندة للمدينة تتوفر بها كل الخدمات والنقل وسائل الترفيه والخدمات الطبية، والأسواق الكبيرة.
* تتوقع بعد تشغيل القطار سوف تنحل المشكلة المرورية في العاصمة؟
- نعم وأحزم بأنه عند تشغيل القطار والنقل العام سوف يخف الزحام خاصة في الرياض.
* ما هو القرار الصعب الذي اتخذته عندما كنت على رأس العمل وندمت عليه؟
- هو قرار تقاعدي المبكر لأنه لا زال عندي ما أعطي لوطني ولكن لظروفي العائلية طلبت التقاعد مبكراً، ولم يكن عندي رصيد من الإجازات، وهذا القرار كنت مجبر عليه.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل التقاعد؟
- هو صقل الكفاءات السعودية التي تعمل معي في السلك الدبلوماسي لكي نتمكن من تدريب الشباب والشابات على ضوء التطور الحاصل في المملكة وعلاقة المملكة مع الخارج، وأنا أعتقد بأن هذا الجيل الذي تم توظيفه يحتاج على دورات وتأهيل قبل ذهابهم للخارج.
* ما هو القرار الذي تمنيت انك طورته قبل التقاعد؟
- كنت أتمنى أن أقدم منهج وخارطة طريق جديدة للعمل الدبلوم اسي منذ بداية دخول الشخص للعمل الدبلوماسي حتى خروجه.
* ما هو العمل الذي تعتز وتفتخر بأنك أنجزته؟
- أعتز أنني مثلت المملكة في أصعب الظروف في باكستان مع أحداث 11 سبتمبر واستطعت بحول من الله ثم بتوجيهات قيادتي ومؤازرة زملائي في السفارة أن نتجاوز هذه الأزمة، وأن نبين للعالم سوء الفهم في اتهام المملكة والإسلام بالإرهاب وكان ذلك امتحان لنا في إيضاح الحقائق.
* ما هي نقطة التحول في حياتكم معالي السفير؟
- نقطة التحول في حياتي عندما انتقلت من القرية إلى المدينة، وكيف أواصل تعليمي خاصة أنه لم يكن في القرية سوى المراحل الابتدائية، وأريد أن أكمل دراستي، أخذني خالي من القرية إلى الرياض وقد حصلت على عمل متواضع وأخذت مواصلة تعليمي إلى أن حصلت على ما كنت أطمح إليه من التعليم العالي.
* كيف تتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي؟
- مواقع التواصل الاجتماعي فيها الغث وفيها السمين وفيها مسؤولية وفيها متعة، وفيها أيضا شر وفيها الكثير من المآسي ولذلك الأمر يعتمد على ثقافة الإنسان وما هي المواقع التي يسمح لأبنائه وأن يشاركون فيها أو يسمح لنفسه أن يكون فيها وبذلك هي سلاح ذو حدين.
* كيف تجد التواصل بين الأقارب خاصة في الآونة الأخيرة؟
- مع الأسف التواصل بين الأقارب بدأ يخف وظروف الحياة تغيرت، في الماضي الترابط قوي بكثير عن ما نعيشه اليوم، حتى بعض الأقارب ما يعرفون أبناء بعض أقاربهم.
* كيف ترى ظاهرة التبذير في المناسبات والزواجات؟
- ما زالت الظاهرة موجودة وربما خفت بعض الشيء عن السابق والمفترض على العاقل أن يراعى هذه النعمة وأن لا يبذر في الكرم الزائد، وهدر للثروة الحيوانية يساهم في ارتفاع في أسعار الأغنام في المملكة.
* هناك نقلة نوعية في التطور الحاصل في المملكة، كيف لنا أن نحافظ على هذه المكتسبات؟
- نحن في بلد مليء بالخيرات والإنجازات وعلينا مسؤولية أن محافظ عليها وأن يكون لدينا حس وطني قوي وعلينا أن نضع أيدينا في يد دولتنا، ويجب علينا الحفاظ على هذه المكتسبات، وولي العهد وضع مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
* هل استطاع الإعلام السعودي أن ينقل هذه النقلة الحضارية ويوضحها للعالم باعتبارك دبلوماسي عشت في الخارج؟
- نعم الإعلام السعودي استطاع أن ينقل هذه المتغيرات في المملكة وأن يواكب هذا التحول الإيجابي في الداخل وأحث الإعلام أن يواصل نقل هذه التحولات للخارج، لأن المملكة اليوم أصبحت محطة جذب للعالم خاصة أن التأشيرات للأماكن الدينية وللسياحة أصبحت سهلة.
* كيف ترى اللحمة بين القيادة والمواطنين؟
- أنا أجزم بأن هذه اللحمة التي نشهدها لا يوجد مثيل لها في أنحاء العالم والمواطن يعيش في أمن و رفاهية في كافة مناحي الحياة والقيادة حريصة على تلمس حاجة المواطن وعلينا التعاضد مع وطننا.
* كيف تجد عمل السفارات بالخارج من خلال رؤيتكم؟
- ملوك هذه البلاد دائما يوجهون سفراء المملكة في الخارج بالحرص على تمثيل بلادهم خير تمثيل وهناك كفاءات وطنية تعمل في سفارات المملكة وهم وجوه مشرفة للوطن في نقل الصورة الحقيقة عن بلدهم.. كما أن قيادة هذه البلاد مهتمين بتعليم أبنائهم في الخارج وأصبحت السفارات في هذه الدول هي الراعية لكل ما يحتاجون إليه، لأنهم أمل المستقبل وهم من يدافعون عن وطنهم والمطلوب حسن الاختيار فيمن يمثلون الوطن في الخارج.
* ما هي التحديات التي تواجهها من خلال عملك كدبلوماسي؟
- التحديات كثيرة خصوصاً البلد الناجح يواجه تحديات.. فكيف ببلد انتقل 180 درجة في فترة وجيزة.. نحن محسودين وعلينا واجب أن نواصل مسيرتنا وهذا التحول المرموق استطعنا التغلب على الكثير من التحديات وسائرون إلى الأمام بكل عزيمة.
* كيف ترى الوحدة الخليجية من خلال عمل مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة؟
- طموحاتنا كبيرة أن نرى وحدة ولحمة وتكامل في كثير من الأمور وما يقوم به مجلس التعاون مؤخراً مشجع جداً ومفرح لأي مواطن خليجي وقيادة هذه الدول طموحهم أكثر بكثير يريدون أن يكون تعاونهم يفوق الوحدة الأوروبية.. ونتطلع إلى روابط أكثر في لحمتنا الخليجية عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وهو ما يعزز استقرار هذه الدول وشعوبها.
* ما هو برنامجك اليومي؟
- أرحب بصحيفة الجزيرة.. وأنا فخور باستمرارها وبعطائها المتواصل الوطني والمهني وأقدر للقائمين عليها جهودهم. أما بخصوص برنامجي اليومي.. فأنا لم أتقاعد من حيث المبدأ، فلدي نشاط واعتبر نفسي أنني لم أتقاعد.. فقد كلفت أن أعمل في مكتب للدراسات، وهذا جزء من واجبي اتجاه الوطن والقيادة.. كذلك لدي نشاطات إعلامية في مجال التعريف بما وصلت إليه المملكة وجهود بلادي السياسية من حيث توضيحها للرأي العام الخارجي والرد على سوء الفهم عند بعض الدول ووسائلها الإعلامية، وما تشهده المملكة من تطور وتقدم وبما يتعلق بسياستها الخارجية والمواقف المشرفة لهذه البلاد.
ورغم تركي للموقع الرسمي إلا أن من الواجب الوطن يفرض عليه الاستمرار بما استطيع أن أقدمه لقيادتي ولوطني.
أعمل حالياً على تأليف كتابين
أنا حالياً أعمل على تأليف كتابين أحدهم اقتصادي بما يسمى بالربيع العربي، والكتاب الثاني عن علاقات المملكة التاريخية والاستراتيجية مع باكستان، كذلك لدي مقالات سياسية باللغة الإنجليزية عن الأوضاع في البلدان التي عملت فيها سفيراً لبلادي.