حاوره - عوض مانع القحطاني/ تصوير - عبدالله المسعود:
إيماناً من صحيفة «الجزيرة» باستعراض مسيرة الرجال الأوفياء لخدمة دينهم ووطنهم وقيادتهم من مدنيين وعسكريين ففي هذا الحوار نستضيف اللواء طيار راشد بن عبدالله الزهراني الذي خدم في قواتنا المسلحة، وكان آخرها قائداً للطيران العمودي سابقاً في الحرس الوطني.. فماذا أجاب عن أسئلة «الجزيرة» حول حياته العسكرية وعدد من الأسئلة المتعلقة بالحياة العامة وقضايا أخرى.
* أين كانت نشأتكم.. وكيف بدأت حياتكم؟
- كانت ولادتي في بلاد زهران عام 1948م، وكان والدي رحمه الله يعمل في وزارة الدفاع بقصر (شبره) بالطائف.. وقد تم نقل وزارة الدفاع في ذلك الحين للرياض ومن شدة حرص والدي على تعليمي أخذني معه للرياض بدلاً من إرجاعي مع والدتي إلى القرية التي عاشوا فيها؛ لأنه لم يكن في ذلك الحين مدارس في القرية في بلاد زهران، وعندما وصلنا للرياض سجلني والدي في مدارس دار الأيتام الابتدائية في حي أم سليم سكن داخلي، وبعد حصولي على ثالث ابتدائي تحولت الدار التي كنت أدرس فيها إلى مسمى معهد الملك سعود للتربية، وكانت الدراسة في المعهد التعلم على الحرف الصناعية مثل النجارة والحدادة.. ولكن أهلي لم يتقبلوا تلك المهن في ذلك الوقت.. فقد أخرجني والدي من هذا المعهد وأدخلني مدارس الأبناء بحي الضباط، رغم أن القبول فيها كان محصوراً على ضباط وزارة الدفاع وكبار الموظفين ولكن قدروا ظروف والدي بحكم أنني أعيش معه وحيداً في تلك المعسكرات.. حيث أكملت المرحلة الابتدائية وبعدها نقل والدي إلى تبوك حيث رقي على إحدى الوحدات العسكرية.
بعد ذلك أكملت مسيرتي التعليمية في تبوك حتى حصلت على الكفاءة بالانتظام الليلي، ومنها غادرت إلى الرياض للالتحاق بالثانوية العسكرية.. وقد تخرجت من الثانوية العامة والتحقت بكلية الملك عبدالعزيز الحربية بتقدير ممتاز ملازم، والترتيب الحادي عشر على مجموعة الطلبة، والدي له من الأبناء أربعة يعملون حالياً في مجال الطب والطيران.
بعد ذلك حصلت على الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة بتقدير امتياز، وكذلك ماجستير من كلية القيادة والأركان العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
الطموح ليس له حدود
عندما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة كان لدي حماس أن أعين وأساعد والدي على مصاريف الحياة.. فقد توظفت في قيادة المنطقة كاتب آلة، بعدها سابقت على وظيفة في الجمارك على المرتبة التاسعة في ذلك الوقت بالنظام القديم، وقد استأذنت من مدير جمارك الحدود الشمالية وطلبت منه أكمل دراستي الثانوية في الرياض فوافق قائلاً: يوفقك يا ولدي توكل على الله.. وأعطاني وعد وقال اذهب إذا نجحت في الدراسة أو لم يعجبك الوضع عد إلى وظيفتك.
* كيف تدرجت في السلك العسكري؟
- بعد أن تخرجت عام 1391هـ خدمت في الرياض لمدة ستة شهور ومن ثم نقلت إلى تبوك 3 سنوات.. ومن ثم بدأت الدورات التأسيسية في كل من الطائف وتبوك وخميس مشيط.. بعدها صدر قرار بابتعاثي إلى أمريكا لدراسة التمويل العام في برنامج مشروع آليات لتجديد معدات القوات المسلحة.. ودراسة التموين عبر البحار.. تشكلت وحدة جديدة في تبوك وتم التحاقنا بها أنا ومجموعة من الضباط والأفراد، للدراسة في أمريكا على التخصصات التي أشرت لها سابقاً، ولكن حدث حرب رمضان في سوريا.. وألغيت الدورة وذهبنا إلى سوريا مع الجيش السعودي شاركنا في سوريا عام 73م خدمنا في سوريا لمدة سنتين وعدنا ومن ثم تم نقلي إلى الخرج.
تخصيص مقاعد للطيران لصالح القوات البرية
بعد أن باشرنا عملنا وزع تعميم على جميع الوحدات من لديه الرغبة للالتحاق في علوم الطيران العمودي لصالح القوات البرية في أمريكا، وتم اختيار 4 ضباط.. وكنت أنا المرشح الوحيد لهذه لهذه الدورة بعد اجتيازي المقابلة وتم الكشف الطبي وذهبت إلى أمريكا وتخرجت من هذه الدورة عام 1396هـ كطيار واعتبر أنا أول طيار يتم تخرجه لصالح القوات البرية.
بعد أن تخرجت عدت إلى المملكة باشرت على وحدتي في مدينة الخرج.. ولأن وحدتي العسكرية في ذلك الوقت لا تستطيع منحي الميزات، ذهبت لمعالي الفريق محمد آل الشيخ رحمه الله، كان قائد الجيش وشرحت له وضعي فاقترح نقلي إلى القوات الجوية، وخدمت في قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف كطيار عمودي بعدها نقلت إلى كلية الملك فيصل الجوية على وظيفة بحث وإنقاذ ومعلم مواد.. وللتاريخ فإن الأمير فيصل بن محمد بن سعود الكبير وبتكليف من المرحوم الأمير سلطان بن عبدالعزيز هو أول من أنشأ الطيران للقوات البرية وكان حديث التخرج في أمريكا آنذاك.
وقد طلب مني الأمير فيصل أن أعود إلى القوات البرية وأنا برتبة نقيب من أجل تأسيس طيران الجيش.. وبدأنا في تأسيس هذه الوحدة وكان يساعدنا خبراء من باكستان وأمريكا وتم بالفعل تأسيس طيران القوات البرية. بعدها تم نقلي إلى حفر الباطن كقائد لمركز ومدرسة طيران الجيش.. خدمت سنتين مديراً لمركز العمليات للقوات البرية بعدها تمت ترقيتي إلى رتبة لواء وعينت مدير عام تفتيش القوات البرية، وكان قائد القوات البرية في ذلك الوقت الفريق سلطان بن عادي المطيري وقد منحني مسؤولية إعادة تشكيل وتنظيم إدارات تفتيش القوات البرية في جميع مناطق المملكة بشكل حديث.
قائداً لسلاح النقل
عقب ذلك صدر قرار بتعييني قائداً لسلاح النقل في القوات البرية وتلقيت دعما من معالي الفريق حسين القبيل بتطوير هذا السلاح.. وقد تم إعادة تنظيم هذا السلاح وتم توفير مئات الوظائف.
رئيس هيئة الإمدادات والتموين
ومن ثم نقلت إلى رئيس هيئة الإمدادات والتموين بالقوات البرية، خدمت فيها 3 سنوات وقد أحلت للتقاعد عام 1427هـ.
* ما هي قصة تحولك من الجيش إلى الحرس الوطني؟
- بعد أن تقاعدت من القوات المسلحة كنت أعرف أن الحرس الوطني يعد لطيران عمودي وقد وقع علي الاختيار لقيادة هذا القطاع مع بعض الزملاء الآخرين من طيران القوات البرية، وممن تم تدريبهم وتأهيلهم من منسوبي الحرس الوطني، وكانت رغبة القيادة أن يكون على رأس هذا الطيران شخص ذي رتبة وخبرة، فقد صدر أمر ملكي بإلغاء تقاعدي وإعادتي للخدمة ونقلي للحرس الوطني وباشرت في عام 1427هـ.. وبالفعل بدأنا نعمل وفق برنامج تطوير الحرس الوطني لشراء الطائرات والمعدات وعملنا خطة متكاملة بجميع المتطلبات من الطائرات والتدريب والكوادر البشرية والمهام والواجبات والتنظيم، وقد تم إقرارها من قبل وزير الحرس الوطني ومن ثم رفعها للمقام السامي، وأصبحنا نستقطب ضباطا من كلية الملك خالد العسكرية نرسلهم إلى العديد من الدول، وبدأت الطائرات تصل إلى المملكة وكافة الكوادر جاهزة وهي من أحدث ما توصل إليه العالم بالإضافة إلى أماكن الصيانة. وأصبحت هذه الطائرات تعمل مع ألوية الحرس الوطني في مناطق تواجدهم.
* ما هو القرار الصعب الذي اتخذته وأنت على رأس العمل وندمت عليه؟
- ليس هناك قرار صعب، ولكن يحصل بعض الأخطاء تمنيت أنني أدركها وندمت عليها.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل التقاعد؟
- قبل التقاعد كنت أتمنى إنشاء معهد موحد في مجال علوم الطيران العمودي المسلح من برية أو حرس وطني وجوية وبحرية مدمجة، وتوطين هذه الفكرة في المملكة لأن الإمكانات متوفرة ولله الحمد.
* ما هو العمل الذي تفتخر به وتعتز أنك أنجزته؟
- أعتز وأفتخر بتنظيم وإعادة هيكلة إدارة التفتيش في قواتنا البرية، وأعتز بالمجهودات التي بدأتها مع الزملاء في إعادة ترتيب وتنظيم سلاح النقل، الشيء الآخر الذي أفتخر به إنني وفقت في بناء طيران الحرس الوطني.
* كيف تنظر إلى رؤية المملكة 2030 ؟
- الحديث عن الرؤية حديث مهم، فقد كانت هذه البلاد في السابق تعتمد على النفط، واليوم تغير كل شيء بحكمة عرَّاب الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبتوجهات من قائد هذه البلاد انطلقنا إلى مصادر جديدة ومشروعات تنموية وأصبحنا اليوم نحقق إنجازات وقفزات هائلة من إمكانات كل القطاعات وتنوع الاقتصاد ودعم المحتوى المحلي وتوطين الصناعات ومنها الصناعات العسكرية وتحسين جودة الحياة وسبل العيش وزيادة التوظيف، وأصبحنا في بيئة منتجة وليست مستهلكة.
* كيف تنظر إلى سياسة ومصالح المملكة مع العالم الخارجي؟
- سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سياسي خبير وحكيم، وله رؤية ثاقبة في التخاطب مع العالم الخارجي ولديه قدرة على الاطلاع وقراءة ما بين السطور.. فالمملكة اليوم أصبح لها مكانة كبرى في العالم من واقع السياسات المطبقة حالياً.. كما أن دول العالم تراها نموذجاً عالمياً في الشفافية ومحاربة الفساد وأصبحت نموذجاً مميزاً في منح الشباب فرصة في الإبداع وبناء بلدهم، لم تعد المملكة تعتمد على المجاملات، فنحن عضو في مجموعة العشرين.
* ما رأيك في اقتصاد المملكة مقارنة بما تعيشه بعض الدول من اضطرابات؟
- المملكة نجحت في الابتعاد عن أي مؤثر على مسيرتها الاقتصادية؛ لديها مسيرة ولا تريد أن تدخل في صراعات أو مشاكل مع أي دولة، المملكة تعتمد على برامج متنوعة في العلا، ونيوم والطاقة الشمسية، واكتشاف استثمارات جديدة وفتح مجالات للاستثمار في المملكة، وكل ذلك هو الشغل الشاغل، بحيث يكون هناك مجتمع حيوي مزدهر بعيداً عن أي مؤثر سلبي.
* كيف تنظر للسياحة في داخل المملكة وتطوير القطاع؟
- الكل مذهول ومندهش: كيف تحولت المملكة بهذه Wالسرعة، كيف تحولت السياحة في المملكة إلى مقصد وعامل جذب سواء للناس داخل المملكة أو خارجها، وأصبح هناك جذب لدول العالم للتعرف على المملكة وحضارتها والأماكن السياحية، كان ذلك من خلال تنوع برامج الترفيه والتسهيلات في الحصول على السياحة في المملكة حيث وصل عدد السياح من الخارج إلى أرقام كبرى وهذا دليل على نجاح خطط السياحة داخل المملكة.
* كيف تنظر إلى تطوير الأندية الرياضية في المملكة؟
- المملكة نجحت في استقطاب المشاهير من لاعبي الكرة في العالم، لإبراز مكانتها في العالم ومكانة الكرة السعودية من خلال الاستفادة من خبرات هؤلاء المشاهير، كما أن المملكة تكسب ثقة العالم، ومن ضمنها إقامة المعارض العالمية وأصبح لدينا ثقة كبرى في تنظيم المباريات في ملاعبنا.
* كيف تنظر إلى اللحمة الوطنية في المملكة؟
- هذا ليس بمستغرب على قادتنا منذ أن وحد الملك عبدالعزيز- رحمه الله - وحتى عهد ملوك هذه البلاد هذه اللحمة القوية بنيت على أرضية صلبة، ولا شك أن سكان المملكة يحبون ولاة أمرهم ويعملون مع دولتهم لنجاح أي مشروعات تخدم دينهم ووطنهم.
* كيف تنظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي؟
- هذه المواقع لها إيجابيات ولها سلبيات، ولكنها ساعدت في التواصل بين الناس وعلينا أن نأخذ الحسن ونترك الغث غير المفيد، وعرفنا من الذي يحبنا ومن يحسدنا وما نحن فيه من أمن واستقرار، وعلى المجتمع الابتعاد عن الجوانب السلبية والمهاترات.
* ما هي التحديات التي لا زالت تواجهها؟
- أي إنسان ناجح له أعداء، ونحن في المملكة ماضون على التغلب على أي تحديات سواء سياسية أو عسكرية واقتصادية والمملكة بقيادتها ماضية في سياسة حكيمة ولا تنظر إلى من يعاديها إلا بالحكمة والمضي في بناء بلدها.
* كيف ترى الترابط الاجتماعي بين الناس؟
- ما زلنا بخير وعندنا روابط اجتماعية قوية، ولكن التعامل بين الناس عن بعد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والحركة المرورية كل هذه تساعد بعض الشيء في تباعد الناس عن بعهم البعض، ومجتمعنا فيه خير من خلال ثوابت لا زالت موجودة عند الناس.
* كيف رأيت التقاعد؟
- التقاعد هو راحة للإنسان، وهذه سنة الحياة، وأعطينا الأسرة والأقارب ما يستحقونه وتفرغنا لخدمة أبنائنا وتزويجهم ومتابعتهم وأصبح لدينا الوقت الكافي للسفر وممارسة الرياضة.