سهوب بغدادي
يعتبر البعض الفن من الأمور الإضافية في الحياة، وقد لا يكون من أساسيات تواجد الإنسان على البسيطة، كالمأكل والمشرب والاستقرار المادي، وما إلى ذلك، إلا أن الفن يندرج من الضروريات وأحد سبل الرفاهية في آن واحد، وتختلف ماهيته باختلاف حالة الإنسان ووضعه وزمانه ومكانه، فالشخص في اليوم العادي المستتب بحاجة إلى الفن بغطاء الرفاهية المنبثقة من معاني الرفاهية النفسية، ومن كان في معاناة نفسية قد يجعل من الفن ضرورة لتخفيف وطأة المدلهمات، باعتباره متنفس وأحد طرق التعبير وتسكين الجروح، ولنا في العلاج بالرسم والرمل والفن ككل خير مثال، فيما يلجأ البعض الآخر إلى مجالات أخرى من الرفاهية في الحياة كوسيلة للترويح عن الذات، ويجب ألا يشعر الإنسان بالذنب من تخصيصه حيز بسيط للرفاهية على اختلاف أنواعها وأشكالها في يومه، فليس من الطبيعي أن تكون حياتك تتمحور حول البقاء فقط فيها، دون تركك بصمة من خلال التعبير والإبداع وتكوين شيء خاص بك، لطالما كانت أجمل الأشعار تلك الخارجة من رحم المعاناة، أيضًا الألحان الخالدة، وقس على ذلك من الأعمال المتميزة التي خرجت من القلب ووصلت إلى القلب على مر العصور.
وأشدد على فكرة الفن باعتباره مساحة آمنة بمعزل عن الأحكام المسبقة والواجبات والاعتبارات التي يعيشها الشخص بوعي أو دونه، فمن يكترث في حال أخطأت في استخدام درجة اللون؟ ومن سيقوّم طريقة غنائك؟ ومن سيقلل من شأن ألحانك المبعثرة؟ كلنا بحاجة إلى وقت مستقطع من أنفسنا ولو لدقائق معدودة، ننفصل فيها عن الواقع وننتقل إلى عالم اخترناه بعناية، عالم بخفة الريشة بعيدًا عن التكلف والعتب واللوم والأحكام وعن حديث النفس، إن الفن يذكرك أن هناك شيئا آخر تتطلع له في يومك، ويغرس فكرة الجمال في مواطن الحياة، والتأني في عصر سادت فيه السرعة.