أ.د.عثمان بن صالح العامر
أكتب مقالي هذا مساء يوم السبت الأول من شهر يونيو، حيث يحتفل العالم أجمع في هذا اليوم من كل عام بـ(اليوم العالمي للوالدين)، وذلك وفقًا لما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 . باعتبار أن هذا السلوك من القيم التي أوصت بها جميع الأديان والثقافات حول العالم.
شخصياً - بصراحة متناهية - أول مرة أعرف أن هناك يوماً عالمياً لهذه القيمة العظيمة التي أولاها الإسلام جلَّ اهتمامه فقرنها الرب سبحانه وتعالى بطاعته، إذ يقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. ومن بين أسرار الإعجاز اللغوي في هذه الآية الكريمة ما ذكره أهل الاختصاص من أن أضعف حروف الهجاء حرف الفاء، وكأن الله عزَّ وجلَّ يقول لا تنطق بأي حرف يدل على التبرم والتضجر حتى ولو كان أضعفها على الإطلاق فكيف بما هو أعظم من ذلك قولاً كان أو فعلا؟
وبر الوالدين في الإسلام يعني كما هو معروف: (الإحسان إليهما، وطاعتهما في غير معصية الله، والقيام بواجباتهما ورعايتهما، والحرص على رضاهما ودعائهما). يشمل البر مشاعر الحب والاحترام والتقدير، ويترجم إلى أفعال من الرعاية والعناية والكلمات الطيبة. وهذا يعني أن البر يتضمن حسب ما ورد أعلاه:
* العناية بصحتهما وتلبية احتياجاتهما المادية والبدنية، ومتابعة حالتهما الجسدية مع الأطباء والمختصين بالتغذية حسب السن.
* الحرص على إسعادهما وتجنب ما يسيء إليهما، والتحدث إليهما بلطف واحترام، والإهداء لهما لإدخال السرور على قلبيهما.
* الدعاء لهما سواء في حياتهما أو بعد موتهما، إذ لا ينتهي البر بهما برحيلهما عن هذه الدار.
* زيارتهما بانتظام، والاتصال بهما بشكل دائم للاطمئنان عليهما إذا كان الابن أو البنات يعيشان مستقلين عنهما.
* الاستماع إليهما بصبر وتقدير نصائحهما ومشورتهما.
* ليس هذا فحسب، بل من البر بهما بر صديقهما بعد موتهما كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود.
وهو - أعني بر الوالدين - أفضل الأعمال بعد الصلاة، إذ يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله».
ولا عجب فهو يساهم في بناء أسرة متماسكة ومجتمع قوي، إذ إن الأبوين هما العمود الفقري للأسرة، ورعايتهما تسهم في تعزيز الروابط الأسرية وتعليم الأبناء قيم الاحترام والوفاء. فضلاً عن أن بر الوالدين يمنح الأولاد شعورًا بالراحة النفسية والرضا الداخلي، ويساعد على تعزيز السعادة والاستقرار العاطفي.
في الضد هناك العقوق الذي يعني التصرف بشكل يسيء إليهما، سواء بالكلام أو الأفعال، وهو من أعظم الذنوب. حذّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، بل عد من كبائر الذنوب، ومن هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه: «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة».
شخصياً أعتقد من واجبنا الديني والإنساني والوطني أن نوظّف مثل هذه الأيام العالمية في نشر ثقافتنا الإسلامية والتعريف بقيمنا الخالدة التي العالم أجمع بحاجة ماسة لها، وأن نترجم ما يكتب عن هذا الثراء للغات الحيّة حتى يكون لما نقوله ونكتبه صدى عالمي وأثر حي وتعريف حقيقي بنا.
قد يظن البعض أن هذا شيء طبيعي ليس من الأهمية لديه الكتابة عنه أو التعريف به لأنه يعيش في وسط مجتمع إسلامي متماسك ويعرف دلالة هذه المصطلحات ويغيب عن باله ما يعانيه الأبوان في كثير من دول العالم المتقدم منها والمتخلف على حد سواء من نكران وعقوق وإهمال وجحود جراء النظام المادية التي تسود العالم اليوم، والعلاقة البراجماتية بين بني البشر حتى الولد مع والديه، رزقنا الله بر والدينا الأحياء منهم والأموات، دمتم بخير، وتقبلوا فائق التحايا، والسلام.