د.شريف بن محمد الأتربي
حين نتكلم عن الأخلاق لا نغفل مطلقاً العادات والتقاليد كجزء من بناء شخصية وأخلاق أفراد المجتمع، فالعادات هي سلوكيات خاصة يقوم به الفرد تجاه أمور معينة، وقد تكون جيدة مرضياً عنها أو تكون سيئةً ينفر منها.
والتقاليد أيضاً وهي رديف العادات والمرتبطة بها رباطاً أبدياً، هي التشبه بصفة أو فعل يقوم به فرد ما، وقد يكون هذا التقليد محبباً أو غير محبب وتكون نظرة المجتمع إيجابية تجاه الأفعال والصفات التي تحافظ على الفضيلة ويكون عامة المجتمع راضياً عنها ويتناقلها من جيل إلى جيل فتصبح التقاليد إرثاً يحافظ المجتمع على ممارستها دوماً.
أما الأخلاق، فهي جمعُ خُلُقٍ، والخُلقُ -بضَمِ اللَّامِ وسُكونِها- هو الدِّينُ والطَّبعُ والسَّجيَّةُ (وهو ما خُلِقَ عليه مِنَ الطَّبعِ) والمروءة، وحقيقة الخلق أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.
وقد عرَّف الجُرجانيُّ الخُلُقَ بأنه: (عبارة عن هيئة للنَّفسِ راسِخةٍ تَصدُرُ عنها الأفعالُ بسُهولةٍ ويُسرٍ من غَيرِ حاجةٍ إلى فِكرٍ ورَويَّةٍ، فإن كان الصَّادِرُ عنها الأفعالَ الحَسَنةَ كانتِ الهَيئةُ خُلُقًا حَسَنًا، وإن كان الصَّادِرُ منها الأفعالَ القَبيحةَ سُمِّيَتِ الهَيئةُ التي هي مَصدَرُ ذلك خُلُقًا سَيِّئًا).
وعَرَّفه ابنُ مِسكَوَيهِ بقَولِه: (الخُلُقُ: حالٌ للنَّفسِ داعيةٌ لها إلى أفعالِها من غَيرِ فِكرٍ ولا رَويَّةٍ، وهذه الحالُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: منها ما يَكونُ طَبيعيًّا من أصلِ المِزاجِ، كالإنسانِ الذي يُحَرِّكُه أدنى شَيءٍ نَحوَ غَضَبٍ، ويَهيجُ من أقَلِّ سَبَبٍ، وكالإنسانِ الذي يَجبُنُ من أيسَرِ شَيءٍ، أو كالذي يَفزَعُ من أدنى صَوتٍ يَطرُقُ سَمعَه، أو يَرتاعُ من خَبَرٍ يَسمَعُه، وكالذي يَضحَكُ ضَحِكًا مُفرِطًا من أدنى شَيءٍ يُعجِبُه، وكالذي يَغتَمُّ ويَحزَنُ من أيسَرِ شَيءٍ يَنالُه. ومنها ما يَكونُ مُستَفادًا بالعادةِ والتَّدَرُّبِ، ورُبَّما كان مَبدَؤُه بالرَّويَّةِ والفِكرِ، ثمَّ يَستَمِرُّ أوَّلًا فأوَّلًا، حتَّى يَصيرَ مَلَكةً وخُلُقًا).
وقال السُّيوطيُّ: (الخُلُقُ: مَلَكةٌ نَفسانيَّةٌ تَصدُرُ عنها الأفعالُ النَّفسانيَّةُ بسُهولةٍ من غَيرِ رَويَّةٍ.
وقيل: هو اسمٌ جامِعٌ للقوى المُدرَكةِ بالبَصيرةِ، وتُجعَلُ تارةً للقوى الغَريزيَّةِ، وتارةً للحالةِ المُكتَسَبةِ التي بها يَصيرُ الإنسانُ خَليقًا أن يَفعَلَ شَيئًا دونَ شَيءٍ).
وقيل: (الخُلُقُ صِفةٌ مُستَقِرَّةٌ في النَّفسِ -فِطريَّةٌ أو مُكتَسَبةٌ- ذاتُ آثارٍ في السُّلوكِ مَحمودةٍ أو مَذمومةٍ).
وقد عَرَّف بَعضُ الباحِثينَ الأخلاقَ في نَظَرِ الإسلامِ بأنَّها عِبارةٌ عن (مَجموعةِ المَبادِئِ والقَواعِدِ المُنَظِّمةِ للسُّلوكِ الإنسانيِّ، التي يُحَدِّدُها الوَحيُ؛ لتَنظيمِ حَياةِ الإنسانِ، وتَحديدِ علاقَتِه بغَيرِه على نَحوٍ يُحَقِّقُ الغايةَ من وُجودِه في هذا العالَمِ على أكمَلِ وَجهٍ).
ومع الغزو الفكري، والإعلامي لأطفالنا وشبابنا وبناتنا، وجب التركيز على تدريس الأخلاق منذ الصغر في المدرسة، لتكون جنبا إلى جنب مع القراءة والكتابة، فالبيت لم يعد قادرا بمفرده على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه، فمواطن الجذب الخفية لأبنائنا صارت متعددة لا نستطيع التحكم فيها، ولا تنقيتها فأصبحوا فريسة سهلة لأي انحراف مقصود لإضعاف دعائم الأمة القائمة على الاحترام المتبادل في كل جوانب الحياة.
إن تدريس الأخلاق في المدرسة سيساعد على تنمية القيم والأخلاق الإنسانية، وبناء قيم أساسية مثل الصدق، والاحترام، والعدل، والصداقة، والتعاون، والشجاعة، من السمات الإنسانية الجيدة، ويجعل من طلاب اليوم مواطنين مسؤولين وأفرادًا ذوي أخلاق عالية.
يعمل تدريس الأخلاق على تطوير مهارات الطلاب في التواصل والتعاون وحل المشكلات بشكل بناء، حيث يتعلمون كيفية التعامل مع الآخرين باحترام والتعرف على كيفية التفاعل مع التنوع والاختلافات في المجتمع وخارجه بشكل إيجابي.
يساعد تدريس الأخلاق في بناء الوعي الأخلاقي، زيادة وعي الطلاب بالقضايا الأخلاقية والتحديات التي يواجهها المجتمع ككل وبالتالي يواجهونها هم أيضا في حياتهم اليومية.
يعمل تدريس الأخلاق على تحقيق التوازن الشخصي، من خلال تطوير النمو الشخصي للطلاب وتعزيز التوازن لديهم ما بين النجاح الأكاديمي والنجاح الشخصي والاجتماعي، حيث يتعلمون كيفية تحقيق التوازن بين الأهداف الشخصية والأخلاقية والمهنية.
إن تدريس الأخلاق في المدرسة يساهم في تنمية الشخصية الكاملة للطلاب وتحضيرهم لتكون أعضاء فاعلين وأخلاقيين في المجتمع، وبالتالي لن نسمع أحد يقول لمن هو أكبر منه سناً: أزيك يا شريف!