أ.د.صالح معيض الغامدي
لاحظت أن عددا من السير الذاتية السعودية التي ظهرت مؤخرا تشترك في عدد من السمات المضمونية والبنيوية، وربما كان السبب في ذلك أنها كتبت في فترات زمنية متقاربة عاش فيها كتابها، ربما يؤرخ لها من الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقد جاء وقت حصادها في السنوات الأخيرة، ولعلنا في هذا المقال نحاول الإشارة إلى أهم وأبرز السمات التي تشترك فيها هذه السير، وهي على النحو الآتي:
1- أنها في أغلبها سير ذاتية رجالية، وحظ المرأة منها أو فيها قليل جدا، أو هو شىء لا يذكر حقيقة.
2- أن سرد مرحلة الطفولة فيها متشابه إلى حد كبير سواء في طبيعة الحياة الاجتماعية أو الدراسية، رغم اختلاف المناطق التي ولد فيها هؤلاء الكتاب.
3- تتخذ السير الذاتية الجيلية من البنية التاريخية التدرجية بنية أساسية فيها حيث تبدأ من الطفولة مرورا بالصبا والشباب وانتهاء بالشيخوخة، ويأتي هذا السرد التاريخي ملتصقا بالتاريخ الدراسي للكاتب ثم العملي أو الوظيفي، وقلة هي الأعمال التي قد تخرج عن هذا التدرج التاريخي كما نرى على سبيل المثال في سيرة الدكتور ساعد الحارثي حيث تبدأ سيرته (رحلة على هامة التحدي ) من سرد مرحلة الابتعاث إلى أمريكا ثم ما تلبث أن تسترد التدرج التاريخي. الطبيعي .
4- ما دمنا أشرنا هنا إلى الابتعاث ، فإن سرد مرحلة الابتعاث يشكل قاسما مشتركا بين كثير من السير الذاتبة الجيلية، فكتاب هذه السير يولون فترة الابتعاث في سيرهم أهمية كبيرة ويعلقون عليها أمجادا كثيرة تغريهم بالاستمتاع بسردها، وتبدو سرود مرحله الابتعاث متشابهة إلى حد كبير ، تبدأ بسرد تجربة الابتعاث الأولى والصعوبات التي واجهها هؤلاء الكتاب وبخاصة ما يتعلق منها بالصدمة الحضارية، وكيف أنهم تجاوزوها وانخرطوا بدرجات متفاوتة في المجتمع الذي ابتعثوا للدراسة فيه وكيف تأثروا به وأثروا فيه، وما هي الفوائد التي جنوها من هذه المرحلة وغيرها من الأمور الأخرى المشتركة .
5- وتتشابه هذه السير في سرد التنقلات التي قام بها كتاب السير في بداية حياتهم داخل الوطن من قراهم ومناطقهم المختلفة إلى كثير من المدن والحواضر السعودية طلبا للتحصيل العلمي او العمل الوظيفي.
6- وتشترك هذه السير في نزعتها الحنينية المفرطة للبيئات القروية والريفية أو الصحرواية التي ولدوا وترعرعوا فيها، إذ نراهم يتوسعون في سرد تجاربهم التي عاشوها في مرحلة طفولتهم بتفاصيلها مقترنة أشد الاقتران بوصف المكان والمجتمع الذي عاشوا فيه .
7- كما تشترك هذه السير الجيلية بالإسهاب في سردها للمرحلة العملية لكتابها في قطاعات مختلفة من قطاعات المجتمع الحكومية والأهلية، وعادة ما يورد الكاتب منهم أهم إنجازاته وإسهاماته في القطاعات التي عمل بها، بوصفهم طلائعيين ومثقفين ورجال دولة.
8- وتحظى مرحلة مابعد الوظيفة ( التقاعد) بنصيب وافر في هذه السير، وغالبا ما يكون سرد هذه المرحلة تأكيدا للمنجزات أو تبريرا لبعض الأعمال أو نقدا لبعض الجوانب التي وجد الكتاب أنفسهم في حل من نقدها بعد أن تقاعدوا .
9- كما نها تحتوي أحيانا على بعض النصائح التي يوردها بعض كتاب السير للقراء، إذ كثيرا ما يذكر هؤلاء الكتاب أن القراء ( أو الأصدقاء أو الأبناء…إلخ) هم من كان السبب الرئيس في دفعهم وتشجيعهم على كتابة سيرهم الذاتية ابتداء.
وأخيرا فإن السيرة الذاتية الجيلية السعودية تحتاج إلى مزيد من الدراسة، علما بأننا قد نكتشف أن لدينا أكثر من سيرة ذاتية جيلية واحدة، وبخاصة بعد انخراط المرأة والشباب في بلادنا في كتابة السيرة الذاتية بأنواعها المختلفة .