سهام القحطاني
منذ البدء سعى الإنسان الأول في فرديته إلى تطوير ذاته حتى تتوافق مع أحوال الطبيعة حوله وهي بدايات التفكير الدفاعي وصناعة حيل الحماية، ومع وجوده الجماعي واختلاف طبائع الفرديات أوجد طرائق لتحقيق علاقات جيدة مع غيره تمكنه من تشكيلات تعاقدية وسلوكية ومهارية مع تلك الفرديات في صيغها كأواخر، ليتمكن من تصميم خلايا توافقية لتلك التشكيلات التعاقدية، وفي المرحلة الثالثة من تطوره والعودة إلى الفردية المؤثرة والتحول من حكم الخلية إلى الحكم الهرمية الذي يلزم فروق فردية تُكثّف في الإنسان صفته الفردية ومهاراته ليستطيع التأثير في الآخر وبالتالي تدوين تفوق يمكنه من استحقاق السلطة الهرمية.
إن فكرة أن الإنسان يستطيع تطوير قدراته ومهاراته فكرت جعلته يظن أنه يحمل جينات تتسم بالألوهية، ومن هنا نشأت فكرة الأساطير عند الأمم القديمة التي هي نصف بشري ونصف إلهي، ففكرة الألوهية الغيبيّة في كليتها لم تؤمن بها الأمم ما قبل الأديان، وعدم الإيمان هنا ليس قائماً على الإنكار المطلق في ذاته، بل إنكار التشخيص، ومن هنا جاءت فكرة «وكلاء الإله» في الأرض سواء عبر الآلهة الأساطير أو الأصنام، ومفهوم الوكيل يختلف من أمة إلى أمة في القصدية، لكن الدلالة العامة هم فيها شركاء ومشركون.
خلقت الأسطورة «البطل الخارق» المعادل الرئيس لدلالة الأسطورة، البطل الجبار الذي لا يُهزم عديم المشاعر الذي تتماهى في فكره وسلوكه ثنائية الخير والشر، ويُعرف عالم النفس»برونو بيتيلهيم» الأسطورة بأنها «حكاية تشاؤمية يفرض فيها الأنا الأعلى حاجته غير الواقعية على الهو».
و»الهو» هو اللا وعي للإنسان وعادة ما يدخل الإنسان في صراع ما بين الأنا والأنا الأعلى، والبطل الخارق عادة ما ينتصر للأنا الأعلى، الأنا الخالية من المشاعر، نحو التضحية من أجل الواجب.
وهناك التفاتة علمية نجدها عند عالم الأحياء الفرنسي «فرانسوا جاكوب» عندما يعتبر أن الأسطورة هي نظير للعلم «فكلاهما يعتمد على التخيل في البحث عن التوصيفات، وبينما تحاول الأسطورة أن تتوافق مع الواقع داخل هذا الوصف الأسطوري، يحاول العلم أن يختبر هذا الواقع من خلال النقد والتجريب»فهل يسعى العلم إلى «تخليق البطل الخارق بطريقة علمية من خلال «السوبرمان»؟
إن هوس الإنسان بفكرة التأليه لم يكن هوساً قاصرًا على طفولته التاريخية، بل هو هوس ممتد منذ زمن الأساطير إلى زمن الإنسان السوبرمان، البطل الخارق الذي لا يهزمه الموت ولا الضعف ولا قوى الشر.
ولذلك زعموا أن كان هناك «البطل الإله» الذي يغزو عوالم الشر العجيبة ثم ينتصر عليها ليعود إلى الأرض بقوة خارقة ليساعد بها البشر، إنها ذاتها فكرة «السوبرمان» البطل الذي لا يُقهر، لكنه بطل لا يتوانى عن عمل الشر لينشر الخير، مثلما فعل «بروميثيوس» عندما صعد إلى السماء ليسرق النار من الآلهة ليشعل الضوء للناس، وكما فعل جيسون عندما سرق الصوف من التنين ليكسب قوة يقاتل بها الشر، وبذلك فإن الشر هو مصدر الخير. «فإن أعظم شر هو أعظم خير للإنسان المتفوق»- كما يقول نيتشه- هكذا تكلم زرادشت،ت/ فليكس فارس- كانت الأساطير أو البطل الخارق الإلهام الأول لفكرة خلق «الإنسان المتفوق» المنغمس في فضاء الإلحاد» فما الإنسان إلا كائن وجب عليه أن يتفوق على ذاته» كما يقول نيتشه-هكذا تكلم زرادشت،ت/فليكس فارس- والإنسان المتفوق عند نيتشه إنسان أعلوي لا يتشابه مع عامة الناس لأنه يملك ما لا يملكه العامة، يمكن إرادة الإله في الأرض،و الإنسان المتفوق عنده من حقه تدمير الضعفاء فلا مكان لهم في الحياة «اعتلوا فوق هؤلاء الناس يا أخواتي فإنهم ألد أعداء الإنسان المتفوق»-السابق-
إن الإنسان الراقي عند نيتشه الذي كان الأساس في تخليق شخصية السوبرمان، هو راقِ بقوته وسلطته وليس بأخلاقه فالتضاد مصدر قوته فيجب أن يكذب ليدرك ماهية الحقيقة مثلما سرق بروميثيوس النار ليشعل الضوء أو كما يقول نيتشه «فمن لا يعرف أن يكذب لا يعرف ماهية الحقيقة وكيفيتها» -السابق- إن الإنسان المتفوق عنده هو بديل الإله بوجوده وقدراته.
والشر هو ما يميّز الإنسان المتفوق لأنه مصدر قوة «فإن الشر قد أصبح خير ما في الإنسان من قوة.»-السابق.
ولعل هذا العبارة تتجلى وضوحاً في الألعاب الإلكترونية التي تحول الحياة الموازية إلى معركة صراع ينتصر اللاعب الذي يمتلك أكبر قدر من قوة الهزيمة ليسحق من أمامه.
إن الإنسان الأعلى أو السوبرمان يعلّمك أن ليس هناك شر إلا ما يتقاطع مع منفعتك، وبذلك تغيب القيم الممثلة للخير عند الأجيال.