سهم بن ضاوي الدعجاني
«أنا خريج» و«أنا خريجة»، هذه العبارة، تتردد كثيراً هذه الأيام صباح مساء على أسماعنا وأمام أبصارنا، هنا وهنا، إنها تشكل فضاء الفرح حولنا وفي بيوتنا وفي مدارسنا وفي جامعاتنا، والذين يرددونها أو اللاتي يرددنها هم وهن أغلى ما وهبنا الله، إنهم أبناؤنا وبناتنا الخريجون والخريجات من الثانوية العامة أو من الجامعة أو المستويات الأولية في التعليم العام، هؤلاء الخريجون والخريجات يرسمون بفرحتهم وابتساماتهم وملابسهم «فرحة العمر»، بل يمنحوننا نحن الآباء والأمهات أجمل اللحظات لنعيش معهم وبهم «طقس الفرح» داخل أسوار المدرسة أو الجامعة، وقبل ذلك داخل بيوتنا الصغيرة، إننا نرى في هؤلاء الخريجين والخريجات مسيرة إنجاز لحسن التربية والسهر والمتابعة وأثر «دعاء الوالدين» وبركة رضاهم، وكذلك المعاضدة من قبل الأخت الكبرى والإخوة والأخوات بشكل عام داخل نسيج الأسرة.
«أنا خريجة» سمعتها للمرة الأولى من بنيتي م. أفنان قبل فترة والآن أسمعها مرة أخرى من بني «عبدالله» وصغيرتي «جنان»، إنها عبارة الموسم هذه الأيام، بل هي سيدة مواسم التواصل الاجتماعي، عندما تتنافس الأسر في «الاحتفال» و»الاحتفاء» بأبنائهم وبناتهم الخريجين والخريجات، إنهم يختصرون «فرحتهم» بهذا في تقديم «الهدايا» مهما قل ثمنها، والورد رغم اختلاف ألوانه وأريجه، ويختصرون «الفرحة» في ابتسامة رضا و»ضمة» «حنان» من الأب والأم والإخوة والأخوات، خلال أو بعد مسيرة التخرّج.
«أنا خريج» أعادتنا إلى دفء الأسرة في مجتمعنا السعودي، ولكي ترصد مسيرة هذا الاحتفاء، عليك فقط استعراض ما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي سواء من قبل المدارس أو الكليات والجامعات في حساباتهم على منصة (X)، أو ما سطره الآباء أو الأمهات أو الأخوة والأخوات لهذا الخريج أو تلك الخريجة بمداد الحب والحنان والاعتزاز، إنهم جميعها بدون استثناء يترجمون عبارة «أنا خريج» بطريقتهم وثقافتهم في الاحتفال بـ«المنجز العائلي» المتمثّل في الطالب أو الطالبة، ولا شك أن هذه الفرحة التي يشعر الخريج/ة والاعتزاز بالأسرة والدفء والحنان هو في نظري أعظم مكاسب «أنا خريج»، عندما يشعر الطالب بهذه الفرحة بعد هذا الإنجاز في أي مرحلة من مراحل دراسته، عندما يشعر بذلك شعوراً يمنحه «الاستقرار النفسي»، كما يمنحنا نحن أن مجتمعنا ما زال متماسك وأن الأسرة هي حجر الزاوية في عملية التنمية والبناء لشباب وشابات المستقبل، ستبقى «الأسرة» في نظر من يردد «أنا خريج» هي زاده وقوته وحضوره الاجتماعي أمام الظروف الصعبة التي قد تواجهه في الحياة، علينا أن نقول: شكراً لكل المعلمين والمعلمات ومديري ومديرات المدارس وعمداء وعميدات الكليات وجميع الممارسين التعليميين في التعليم العام والتعليم الجامعي على امتداد الوطن الحلم، شكراً باسم كل خريج/ة وقبل ذلك باسم كل أب وأم وأخ وأخت لأنكم منحتمونا بهذه البرامج والاحتفالات «فرصة» المشاركة والاحتفاء بأغلى وأثمن ما تملكه الأسر، إنهم وإنهن «فلذات الأكباد».
السؤال الحلم
متى ما تحولت عبارة «أنا خريج» إلى منهج إنجاز، يسعى كل طالب وطالبة إلى تحقيقه خدمة لأسرته ووطنه، ومتى ما جعلت «الأسرة» عبارة «أنا خريج» فرصة للاحتفاء والاحتفال والبهجة والسرور و»صناعة الفرح» داخل الأسرة والمدرسة والجامعة، متى ما حصل ذلك؟ تأكدنا جميعاً أننا في الطريق الصحيح من خلال تماسك «الأسرة» ومحبة «الأسرة» وقوة «الأسرة» أمام مغريات التفكك الأسري والتباعد الاجتماعي الذي ينذر بخراب البيوت!
وأخيراً علينا أن نتذكر أن هناك من أبنائنا وبناتنا من قول، بل ويصرخ: «أنا خريج» لكنه لا يرى ولا يسمع الصدى لهذه العبارة الجميلة، فعلى مؤسساتنا التعليمية أن تبحث عن هؤلاء من خلال برامج مؤسسية مدروسة وتمنحهم بشكل استباقي شيئاً يعوضهم عن «دفء الأسرة» ورضا الوالدين بالاحتفاء بهذا الإنجاز وأنهم جزء مهم من هذا المجتمع المتراحم.