عبده الأسمري
من عمق الإحسان إلى أفق الحسنى، زرع السعد ووزع السعادة في دروب «العمل الصالح» وأقام صروح «الريادة» من لبنات «الصلاح» على أسس من «الكفاح» حتى حصد «سمو المقام» ونال «علو القيمة».
أبهج محطات «العمر» بفلاح» ذاتي مقامه «النفع» وقوامه «الشفع»، فاقترن اسمه بفضل «البدايات»ونبل»الأولويات» فكان الوجيه الموجه والوفي النقي الذي أشعل «الضياء» في مسارب الاحتياج ووقع «الإمضاء» على صفحات الإنتاج..
ارتهن الى «سريرة» صافية تمتلئ بالتراحم، وراهن على «بصيرة» ضافية تسطع بالملاحم، فكان الابن البار للوطن والسليل السار للأسرة ووجه «الرياض» المشع بالأصالة والعراقة الذي حظي بالثناء القائم على «الحياد» والاستثناء المنتج من «السداد».
إنه الشيخ عبد المحسن بن سعد بن سعيد -رحمه الله- أحد رجالات ووجهاء الوطن ورموز الاقتصاد والعقار والعمل الخيري.
بوجه «نجدي» الملامح «جدي» المطامح ندي «التقاسيم» ومحيا مسكون بالألفة والتآلف وعينان تسطعان بنظرات «الحنكة» ولمحات «الفطنة» وأناقة وطنية ترتدي الأزياء الأنيقة وشخصية هادئة الطباع جميلة الطبع لطيفة المعشر قويمة اللسان زاهدة الحضور أصيلة القول. نبيلة الفعل وصوت خليطة ما بين لهجة «نجدية» باهية في مجالس القوم ومواطن العائلة ولغة «فصيحة» في اتجاهات العمل ومجالات التعامل تنطلق من «مخزون» خبرات حافلة بالتسطير وتتجلى من»مكنون» منجزات رافل بالتقدير، وسيرة بيضاء عصماء غرس فيها «بذور» الحسنى، وجنى منها «ثمار» المحاسن، ومسيرة فريدة سديدة كتب فيها «طرائق» المكارم ورسخ وسطها «حقائق» الفضائل، ومناقب ساطعة من الأثر قضى ابن سعيد من عمره عقودا وهو يؤسس «أصول» النماء ويؤصل «فصول» الانتماء، ويعلي راية «الخير» ويحقق «غاية» «العون» كرجل دولة وعقل مرحلة، ورائد أجيال ووجه عطاء في شؤون «التنمية» ومتون «الوطنية».
في الرياض عاصمة العز وموطن الإنجاز ووسط حي «الضهيرة» القديمة ولد ابن سعيد في يوم مفعم بالفرح عام 1349 وسط أسرة شهيرة بالمعارف والمشارف وتناقل الجيران النبأ بأهازيج البهجة وأريج المهجة، واكتظت منازل الطيبين المتجاورين في القلوب قبل الأماكن بمسرات الخبر المبارك والقدوم الميمون.
تفتحت عينا الطفل الصغير على والده الشيخ الكريم الشهير بالوجاهة والمشهور بالتوجيه وأمه الكريمة المشهود لها بالصبر والتدين فاكتملت في طفولته «موجبات» «النصح» وعزائم «التربية».
انتقل ابن سعيد بعدها الى حي عليشة الممتلئ بقصص الفالحين ووقائع الناجحين، وركض فيه مع أقرانه مشفوعاً بنباهة باكرة ومدفوعاً بنباغة مبكرة، جعلته يمطر مساءات «والديه» بأسئلة أولى تحولت الى إجابات مثلى مهدت له كتابة «الأمنيات» سراً في كشكوله الصغير وصياغة «الآمال» جهراً في مجتمعه المحيط.
تعتقت نفسه صغيراً بأنفاس ليالي الرياض الذهبية وتشربت روحه نفائس نجد العذية ووقف يراقب كل صباح «حكايات» المثابرة ومرويات «المصابرة» في مجلس والده العامر باستقبال ذوي الحاجة وعابري السبيل فتشكلت في «ذهنه» الخارطة الأولى للاقتداء التي تسربت الى وجدانه وتحولت الى طريق للاحتذاء سار فيه بخطى واثقة وخطوات واثبة جعلته مشروعاً إنسانياً يضاف الى أرصدة «العاصمة» الساطعة بسير الفالحين.
حرص والده على تعليمه في اتجاهين فاخرين من الاهتمام صنعا له الإلهام حيث مهد له «درب» الخيرات وحصد «الحسنات» وفق تربية عميقة اكتملت في طفولته وتكاملت في رشده وتنامت في قلبه حيث أنار له «طريق» «العلم» ومسار «التعلم» وألحقه بالدروس التي تلقاها على يد معلمين شرعيين وتربويين، وعكف على تعلم دروس الشريعة واللغة العربية والحساب وغيرها تحت عنوان عريض من الالتزام والانضباط مما صنع في داخله التفوق الباكر الذي حصده في تجارته ونشاطاته.
رافق ابن سعيد والده وعمل في دكان صغير لبيع المواد الغذائية والأقمشة وعمره حينها 14 عاماً وانتهل من تجاربه، وعمل في تجارة العقار وبات من رواده في الرياض مع آخرين مثل رفيق دربه عبد العزيز المقيرن الذي أسس معه ومع آخرين الغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
عمل ابن سعيد في مقتبل حياته مسؤولاً عن «الشؤون الخاصة» للملك سعود -رحمه الله- وظل معه طوال حياته.
شارك ابن سعيد في تأسيس العديد من الشركات والكيانات والقطاعات والصحف مثل المجلس البلدي بالرياض وشركة الكهرباء وصحف أم القرى والجزيرة والرياض، وساهم في تأسيس شركات كبرى مثل الرياض للتعمير وشركة الأسمدة ومطابع الرياض، وساهم في إنشاء العديد من القطاعات الأخرى واستمر يرسم «خرائط» الأثر التنموي والخيري من خلال أعمال خيرية متعددة حيث قام بدعم الكثير من الجمعيات الخيرية على مستوى الوطن بماله وفكره وجهده، وقام بتجديد أدوار مستشفى «الشميسي» وزود بعض المستشفيات بسيارات إسعاف مجهزة، وقام بإنشاء العديد من وحدات غسيل الكلى في خمس مناطق.
اشتهر ابن سعيد بفتح مزرعته في «العمارية» في ضواحي الرياض كل خميس وجمعة على مدى عقود لاستقبال الأقارب وطالبي الحاجات وأصحاب المطالب وكان يحرص على ضيافتهم وتلبية مطالبهم وحول داره في حي «المعذر» لسنوات طوال الأسبوع مفتوحاً من صلاة العصر الى صلاة المغرب لتلمس احتياجات الاخرين ودراسة قضايا الخلافات المختلفة، والقيام بإصلاح ذات البين التي اشتهر بها، وقد تمكن من حل الكثير من الخصومات «والفرقى» بحكمة وحنكة إضافة الى أنه لا يرد طالبي الشفاعات الحسنة والتي كانت داره تمتلئ بهم إضافة الى جهوده في تأمين متطلبات المرضى وذويهم الباحثين عن الاستشفاء، وكان يصرف من ماله الخاص ويقدم الشفاعات لحل ذلك.
نهج ابن سعيد منهجا قويما عنوانه الإعانة، وأساسه الأمانة وتفاصيله النزاهة، وعاش كريماً يوزع جود الأيادي البيضاء في ثنايا «الخبيئة» وعطايا «الخفاء» موزعاً «غنائم» الغوث في كل اتجاه تاركا»الدعوات»ناطقة و»الصدقات» سامقة في أعمال خيرية تمثلت في الذكر الطيب والشكر المستحق في شهود «الخلائق» ومشاهد «الحقائق» وسط براهين سديدة ودلائل مديدة.
ارتبط كثيراً بالرياض التي ركض في ميادينها طفلاً، ووقف في منصاتها شاباً، وبرع في مناسباتها راشداً، ومكث في جنباتها شيخاً، وكان يشد الرحال الى الطائف لقضاء الصيف وإلى مكة المكرمة في المواسم الدينية.. وتشكلت في ذهنه «تجارب» الحياة التي صقلها بنفس نقية وروح تقية حتى اغترف من «مشارب» العمر معاني «الاعتزاز» ومعالم «الإنجاز».
انتقل ابن سعيد إلى رحمة الله في شهر رمضان عام 1445 ووُوري جثمانه ثرى مقبرة عرقة، وقد تناقلت وسائل الإعلام خبر رحيله الذي اقترن بمآثره ومناقبه وسماته وترك من خلفه ذرية مباركة ساروا على نهجه ومضوا على منهجه..
رحل ابن سعيد الذي يعد من أشهر رجال البلاد الأوفياء والفضلاء، حيث أجمع الجميع على محبته واتفق الكل على مودته، وترك في صفحات الثناء عناوين عريضة من الأفعال الطيبة والمسالك الحميدة، وأبقى في منصات الاستثناء تفاصيل مديدة من الإرث التنموي والأثر الخيري.
عبد المحسن بن سعيد.. الوجيه النبيل والوجه الأصيل صاحب السيرة العطرة بالسخاء والمسيرة المسطرة بالوفاء.