خالد بن حمد المالك
أكثر من 274 شهيد وأكثر من 698 مصاباً سقطوا في مجزرة جديدة مروِّعة ارتكبتها إسرائيل من أجل تحرير أربعة من أسراها الـ120 لدى حماس، ما جعل الرئيس الأمريكي يُسرع بإعلان فرحته وسعادته بتحرير الرهائن، دون أن يلقي بالاً أو اهتماماً لمئات القتلى والمصابين من الفلسطينيين الأبرياء خلال يوم واحد.
* *
والموقف الأمريكي المبتهج لم يقتصر على إظهار سعادة رئيسه جو بايدن بتحرير الرهائن الأربعة، وإنما تحدث الأمريكيون عن مشاركتهم التي يدعون أنها اقتصرت على جمع معلومات استخباراتية للعملية التي تمت، ولم تكن لأمريكا مشاركة مع إسرائيل ميدانياً في تحرير أسرى إسرائيل، ونحن نقول مع القائل يكاد المريب أن يقول خذوني، والموقف الأمريكي لا غموض ولا لبس فيه، فهو مفضوح ومكشوف، وغير بريء، ويصنف على أنه داعم لوحشية عدوان إسرائيل، وجرائمها المفضوحة.
* *
وتحرير الرهائن كان سيتم من خلال المفاوضات، ويتحقق سلمياً، ومن غير قتال، لكن المأساة أن يكون التحرير قد تم في مجزرة كما حدث في مخيم النصيرات، وأن يكون الموقف الأمريكي باهتاً، لا يدينها، لا يشجبها، ولا يندد بها، بل وأن يخلي تل أبيب من أي مسؤولية، كما هو الموقف الأمريكي في مجازر سابقة، مما لا يمكن قبول مثل هذا الموقف من أمريكا التي تدعي حمايتها لحقوق الإنسان، وضد من يمس الأمن والاستقرار بسوء في العالم.
* *
ولم تكن بريطانيا بأفضل حالاً من أمريكا، وهي التي أعلنت بالتزامن مع مجزرة النصيرات عن أنها قامت بأكثر من 200 عملية تجسس لصالح إسرائيل في غزة، وهو ما يبعدها عن الحياد، ويكرِّس التأكيد على معاضدتها لتل أبيب عسكرياً كما تفعل أمريكا، الأمر الذي يجعل من المجازر الإسرائيلية دليلاً على تواطؤ بريطانيا ضمن المتواطئين لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة تحت الضغط العسكري الممول من أمريكا وحلفائها.
* *
لقد انتشى نتنياهو واحتفل كما لو أنه حرَّر كل الرهائن، ومثله فعل الرئيس بايدن، متجاهليْن أن لدى حماس 120 أسيراً، لا يمكن وصول إسرائيل إلى كل هذا العدد، وأن حياتهم في خطر إذا ما أقدمت إسرائيل على أي خطوة لتحريرهم بالقوة العسكرية، فما نجحوا فيه من تحرير أربع رهائن بعد طول انتظار ليس بالضرورة أن يتم تحرير بقية الأسرى أو حتى غالبيتهم.
* *
صحيح أن مجزرة النصيرات كانت ضربة قوية وموجعة ضد حماس والجهاد، ولكن قوة الضربة تأتي من قتل وإصابة قرابة الألف مواطن فلسطيني، في هجوم وحشي وغادر، وما زال متوقعاً أن يكون عدد الشهداء في ازدياد، حيث إن بعض الجرحى الـ698 في حالة خطيرة.
* *
وأكبر خطأ حين تتصور إسرائيل أن هذه العملية تمثِّل انتصاراً لمؤسستها العسكرية بعد ثمانية أشهر من الحرب، سواء شاركت معها دول كأمريكا وبريطانيا أو لم تشاركا، لأن المحصلة في نهاية المطاف أن مجزرة كبيرة كان وقودها الفلسطينيون الأبرياء، دون أن تصل إسرائيل إلى قادة حماس، والجهاد، وهي من تعرف أهميتهما بالحرب، ورمزيتهما وتأثيرهما معنوياً وأمنياً وسياسياً في استمرار القتال.
* *
إن تحرير الرهائن الأربعة لا يعني شيئاً كبيراً في موازين الحرب والقتال، لذا فمن مصلحة الطرفين، ودون التقليل من حجم الجريمة الالتزام بمبدأ المفاوضات، واستمرار الوسطاء للوصول إلى وقف دائم للقتال، وتبادل الرهائن بين الجانبين، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، والبحث عن مسارات واقعية وموضوعية وصادقة لإقامة دولة للفلسطينيين، قابلة للحياة على حدود 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.