سعد بن دخيل الدخيل
الخط عند العرب هو لسان اليد، ويعرف اصطلاحاً بأنه رسم للحروف في اللغة العربية، ويعد نبض مشاعر الإنسان العربي والمسلم، ويحظى الخط بمنزلة عالية؛ لذا يقول ابن المقفع: «الخط للأمير جمال، وللغني كمال، وللفقير مال»، وأهمية الخط العربي لا تأتي فقط لأن القرآن نزل باللغة العربية وبخط مبين، بل لأن العرب والمسلمين تناقلوا أخبارهم وأشعارهم وأحاديثهم ونصوصهم ووصاياهم ونصائحهم، حتى رسائلهم التوعوية كتبت بخطوط عربية تنوعت وتشكلت وأبدع الخطاطون فيها، وعلى هذا ما أجمل قول الأستاذ أحمد شوحان في كتابه: (رحلة الخط العربي من المسند إلى الحديث): «الخط والكتابة وجهان لعملة واحدة وهما عصارة فكر الإنسان الذي فكر منذ الأزل وسيبقى يفكر في خلود الذكر والأثر إلى الأبد»، تقول المستشرقة جرندلر: «حين تحرر الخط العربي من الأداة والمادة التي يكتب عليها، أدى ذلك إلى تنوع في أشكاله وأساليبه»، وفي هذا يقول شوحان: «وقد امتاز الخطاطون العرب والمسلمون بالجمع بين جمالية المقروء وإبداعية الخطاط الفنان، بمعنى أنهم كانوا يختارون أجمل اللفظ فيودعون فيه أجمل ما لديهم من جمالية الخط وروائعه. وهم بهذا يزيدون جمال المعنى اللفظي جمال الخط، فيكون في ذلك إبداع الصورة والمعنى»، لذا كان الخط العربي مثار إعجاب للعرب والمسلمين وغيرهم من الأمم.
ينقل الدكتور علي عفيفي علي غازي في كتابه: (الخط العربي في كتابات الرحالة الغربيون) عن الليدي درور وصفها لجامع مرجان في العراق فتقول: «إنك ما إن تمر من باب الجامع حتى ترى البناء الداخلي مكوناً من طبقتين: سفلى وعليا، ويحيط بفناء. أما الطبقة العليا فخصت في الأغلب للذين يشدون في طلب العلم. إنه مبني بالحجارة المهندسة المتينة التي امتاز بها عصره، وعليها كتابات وزخارف في الداخل والخارج. والكتابات هذه تمتاز بالدقة والجمال، ذلك أن الخط العربي من أشد ما عني به العرب وخلفوه في البلاد التي فتحوها. إن النبي (صلى الله عليه وسلم) يمنع تصوير الأحياء لذلك انصبت جهودهم الفنية على الطرز الهندسية وزخرف الكتابة».
يروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله: «أكرموا أولادكم بالكتابة فإن الكتابة من أهم الأمور وأعظم السرور»، لذا لابد من نقل هذا الموروث للأبناء والأحفاد، لأنه للنشء وسيلة مهمة لننقل إليهم المفاهيم وليتشربوا الأخلاق والتربية الحسنة التي تعمل على تغيير السلوك وتكوين الاتجاهات الإيجابية، يقول د. حمد جلوي فرج في دراسة بعنوان: (الخط العربي بين الموهبة والتعليم) نشرتها مجلة كلية دار العلوم في المجلد 37، العدد 130 مايو ويونيو 2020 صفحة 201 - 222 وهي مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في العلوم العربية والإسلامية وما يتصل بها، تصدر عن كلية دار العلوم بجامعة القاهرة: «والخطّ العربي كلّ ما نقرؤه مكتوباً بالأحرف العربية، وما تكتبه أيدينا من كلمات؛ بهدف التوثيق ونشر المعرفة»، وكذلك يقول فرج: «ويتصل ظهور الخطّ العربي بقيام الإسلام وانتشاره، وباتساع الرقعة الإسلامية، فكتابة المصحف أكسبت الخطّ العربي حرفة وانتشاراً، كما تطلّبت تطوير هذا الخط لضمان القراءة الصحيحة، وأدّى تكوين الدولة التي استخدمت الخطّ للوثائق الرسمية وللكتابة على النقود وعلى الأبنية، إضافة للأغراض الثقافية التي تنوّعت بنشأة الثقافة العربية الإسلامية»، والتوثيق ونشر المعرفة وضمان القراءة الصحيحة والتنوع الثقافي كلها من حماية المجتمع من الأفكار والانحرافات والحيدة عن الطريق المستقيم، وهي من أوجب واجبات المنظومة التعليمية التي تعمل من خلال المناهج الدراسية إلى تعزيز القيم والسلم الاجتماعي، ويشارك في ذلك المؤسسات الحكومية والخاصة والخيرية وبقية المنظمات المختلفة.
وهنا نذكر ما قامت به المديرية العامة للدفاع المدني حين قدمت لطلاب الصفوف الأولية كراسة ثرية في محتواها أنيقة في تصميمها التعليمي وإخراجها الفني وعنونها الدفاع المدني بعنوان جميل: «كراسة الإبداع في الخط العربي» وجاءت هذه الكراسة الذي تم توزيعها على جميع طلاب الصفوف الأولية في مختلف المناطق التعليمية بمناسبة اليوم العالمي للدفاع المدني والذي جاء تحت شعار مبتكر: «بالتقنية نسعى لحمايتكم»، ليعكس ويبرز التطور التقني في قطاع الدفاع المدني مما يعزز سلامة الأرواح والممتلكات وحمايتها والمحافظة على الوطن ومكتسباته.
تكونت الكراسة من غلاف جميل يحمل في طياته الرسالة الحقيقية والصورة التي يعمل عليها الدفاع المدني والنظرة المتفائلة المبتسمة من رجل الدفاع المدني الواقف، وقد جاء عن يمينه لوحة كتب عليها: (السلامة أولاً) وعن يساره سيارة الدفاع المدني، وهي إشارة إلى أنها المديرية بأفرادها وتجهيزاتها صديقة للمجتمع تعمل على سلامته، وكتب على لوحة سيارة الدفاع المدني رابط لموقع الدفاع المدني 998.gov.sa، ليتفاعل معه الطالب والمعلم وبقية أفراد المجتمع.
كان وراء إصدار المديرية لهذه الكراسة عدة أهداف، لعل أهمها التعريف بقطاع الدفاع المدني وإبراز أهميته في المجتمع لتوعيته وتثقيفه وكذلك لزرع القيم السامية وترسيخها لدى النشء وأهمها حب الوطن والدفاع عنه، بالإضافة إلى التعرف على سبل السلامة والوقاية من المخاطر من خلال عبارات قصيرة تحث أيضاً على حماية البيئة والمحافظة عليها وطرق التعامل مع المخاطر حال وقوعها، كما أن الكراسة تساهم في تحسين الخط لدى الطلاب والطالبات، ثم استعرضت قيم الكراسة ومنها: ترسيخ الولاء لوطننا الغالي والحث على حماية بيئته، وكذلك أهمية السلامة الشخصية والعمل بروح الفريق الواحد، كما أن من قيم الكراسة الاهتمام بالخط العربي والحرص على طلب العلم.
تنوعت طرق الكراسة في عرض وتقديم المحتوى عبر أنشطة إبداعية مختلفة؛ فبالإضافة إلى الخط ونسخ العبارات وتكرارها، فقد تضمنت الكراسة نشاط التوصيل من خلال لعبة المتاهة وفيها يدل الطالب صديقه رجل الدفاع المدني إلى مكان الحريق، وكذلك احتوت على نشاط لعبة الاختلافات الخمسة، وركزت اللعبة على مفاهيم الأمن السلامة كطفاية الحريق وغيرها من الاختلافات التي تلفت النظر لتلك المفاهيم، والأجمل من ذلك نشاط يقوم فيه الطالب بترتيب الخطوات الصحيحة لاستخدام طفاية الحريق، وجاء في نشاط آخر، كأن رجل الإطفاء أراد إرشاده للأدوات التي يستخدمها في أداء عمله الإنساني، فطلبت الكراسة منه أن يوصل من خلال الصورة تلك الأدوات وكان في الصورة: طفاية الحريق والخوذة والقفازات والفأس وسماعة طبيب وفأس وجهاز قياس المسافات بالمتر.
ولم تقتصر الأنشطة على هذا بل عززت الكراسة قبل نهايتها مهارات التفكير للطالب ومكنته من التعبير والكتابة من خلال ثلاثة أنشطة، الأول يكتب تحت كل صور اسم أداة الإطفاء الموضحة في الصورة، وحددت أن يكتب اسم الأداة بخط الرقعة، وأما النشاط الثاني فقد ترك حرية اختيار نوع الخط للطالب في رحلة البحث عن الكلمة الضائعة في جدول الحروف ومن ثم كتابتها بخط جميل حسب تعبير الكراسة، وأما النشاط الثالث وهو الأجمل حين عرضت الكراسة صورة لسيارة قد غرقت في مياه الأمطار وصاحبها ينظر إليها بحسرة وكأنه يريد أن يقول شيئاً، فتركت المساحة للطالب بأن يقرأ الصورة ويكتب بخط جميل قراءته لها.
كراسة الإبداع ركزت في مضمونها على الخط العربي الذي يُعْنى كما أشرنا سابقاً بنشر المعرفة وتعزيز القيم بعبارات اختيرت بعناية ليكتبها الطالب ثم يكرر نسخها ليحسن خطه ويجيد الكتابة بأحرف عربية وفق قواعد الخط العربي، ومن هذه العبارات التي طلبت الكراسة من الطالب نسخها وتكرارها: أحب وطني المملكة العربية السعودية، وهذه عبارة تمثل حياة الطالب والأرض التي يعيش عليها فغرس حب الوطن ضمان له ولفكره وللمجتمع، ومن العبارات أنا طالب مجد ومجتهد أحب العلم، وتأتي هذه العبارة لتؤكد على نبذ الجهل وحب التزود بالعلم والاجتهاد في ذلك، ثم اتجهت العبارات بعد ذلك صوب الأمن والسلامة، والإجراءات والأعمال اللازمة لحماية السكان والممتلكات العامة والخاصة، فأوردت الكراسة العبارات التالية: «لا أعبث بالنار وأبتعد عن مصادر الخطر»، «وجود طفاية الحريق يمنع من انتشار النار»، «أحرص على سلامتي وسلامة زملائي»، «أعرف جيداً أمور السلامة بالمدرسة»، «أنا لا أستخدم الجوال أثناء شحنه بالكهرباء»، «كاشف الدخان يساعدنا على منع حدوث الحريق»، «أتجنب الخروج في أوقات الأمطار»، «أتبع قواعد السلامة لأنها أمان لي»، «لا أستعمل الأدوات الحادة بمفردي»، وجميع هذه العبارات تنشر الوعي وتعزز السلوك الوقائي بين الطلاب ليمارسوا السلامة ويحرصوا على تطبيق معاييرها في حياتهم الخاصة والعامة، والوصول إلى إدراك المخاطر وكيفية تجنبها أو التخفيف من آثارها في حال وقوعها.
ولم تغفل الكراسة دور التقنية كيف لا وشعار اليوم العالمي للدفاع المدني يخبر عن دور التقنية ليقول: «بالتقنية نسعى لحمايتكم»، لذا تعاونت الكراسة مع إحدى المنصات المتخصصة في تطوير مهارة الخط العربي وإبراز جمال الخط العربي ودعم المتميزين من المتعلمين، ليستفيد الطالب من خدماتها المختلفة.
ونحن هنا نرفع شكرنا لسمو وزير الداخلية على توجيهاته ومتابعته وحرصه على تطوير هذا القطاع المهم وتحقيق مستهدفات رؤية القيادة الرشيدة - حفظها الله - في أهمية حماية الوطن من جميع المخاطر والكوارث، والشكر موصول للمديرية العامة للدفاع المدني وعلى رأسها سعادة اللواء الدكتور حمود بن سليمان الفرج الذي يعمل على تحقيق رؤية المديرية بالتميز في الأداء لحماية الأرواح والممتلكات إقليمياً وعالمياً، ولهذا يحرص معاليه على تحقيق قطاع الدفاع المدني لأعلى المؤشرات في سلامة الأرواح والممتلكات وحمايتها من المخاطر، كما لم يغفل الدكتور الفرج تبني المبادرات والبرامج التي تعمل على نشر ثقافة الوعي الوقائي بكوادر مؤهلة مع تفعيل الشراكات بين المديرية والمؤسسات المختلفة في مجالات الأمن والسلامة وبناء تعاون مثمر لرفع الوعي بين أفراد المجتمع.