خالد بن حمد المالك
تحتل إسرائيل أراضي لبنانية، ومثلها سورية، ومن قبل كانت تحتل أراضي مصرية وأردنية قبل اعترافهما بإسرائيل، فضلاً عن احتلالها لفلسطين، ومع هذا تقول أمريكا والدول الأوروبية الحليفة معها بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وأنا أتساءل أي دفاع وهي المحتلة والمعتدية، وهي من تصادر حقوق الفلسطينيين وبعض الدول المجاورة؟
* *
السؤال لا ينتهي عند هذا الحد، ولا ينحصر في أطماع إسرائيل بالاستيلاء على ما ليس لها به حق، وإنما يمتد إلى الموقف الأمريكي الذي يؤيد ويناصر ويدعم ويشرّع لإسرائيل الحق في احتلال أراضي غيرها، وواشنطن بذلك تعسف الحقائق، والمنطق، مجاراة للسياسة الإسرائيلية العدائية ضد من تحتل أراضيهم.
* *
وإسرائيل تصور نفسها على أنها أمام خطر دائم وداهم من جيرانها العرب، فيما هي الخطر المزمن على جيرانها العرب، وهي - لا غيرها - من زُرعت في قلب المنطقة العربية، وحُوصر أمن واستقرار الدول العربية بدولة إرهابية، وبأطماع إسرائيلية توسعية لا يعرف لها حدوداً، ولا تلتزم بالقوانين والأعراف الدولية الملزمة، وكلها مقبولة، ومحمية، وتُشجع إسرائيل عليها من قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
نحن لا نتجنى بهذا القول على إسرائيل، ولا على أمريكا، ولا نقول بما يخالف الواقع، ولا نتحدث بما هو غير ثابت، أو أنه غير موثق، فتاريخياً لم تكن هناك دولة إسرائيلية قبل 1948م، وبريطانيا هي من وعدت بها، ونفذت وعدها، واستقطبت اليهود من كل أصقاع الدنيا قبل انتهاء استعمارها لفلسطين ليشكلوا شعباً، ويمتلكوا أرضاً بلا شعب كما يدعون، ويقيموا دولتهم على أراض ليست لهم، مدعومين من بريطانيا، قبل أن تؤول حمايتهم ودعمهم للولايات المتحدة الأمريكية.
* *
سبب الخوف الإسرائيلي، ومصدر هذا الذعر الذي نراه ونسمعه من القيادات الإسرائيلية، أنهم على علم بأن دولتهم أُقيمت على أرض ليست لهم، وأن أي دولة فلسطينية تُقام بجوار دولة إسرائيل سوف تشكِّل خطراً على إسرائيل، وقد تكون نهاية للدولة الإسرائيلية على المدى البعيد، أي أن هناك شعور إسرائيلي بالخوف من المستقبل المبيت أو المتوقع متى ما قامت الدولة الفلسطينية، وهو شعور مصدره قناعة الإسرائيليين أنفسهم بأن دولتهم أُقيمت على أرض ليست لهم، وثم فهي مهددة بالزوال متى أُخذ بخيار الدولتين.
* *
القصة وما فيها أن أوروبا أرادت أن تتخلَّص من اليهود، فتم تهجيرهم من أراضيهم الحقيقية، وتحقيق وعد بلفور بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وهو وعد أرادت القارة العجوز أن تُكفِّر به عن اضطهادها لهم، وكان ذلك على حساب أراضي وحقوق الشعب الفلسطيني، ولهذا فليس غريباً أن تصطف دول أوروبا مع أمريكا لحماية هذا الكيان من الزوال، بما هو معلن ومكشوف، حتى وإن تطلب الأمر دخولهم في حرب ميدانية مشتركة مع إسرائيل.
* *
هناك حلول، تسمح باستمرار الاحتلال الإسرائيلي وحماية، مع تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم على الأراضي التي احتلت عام 1967م وعاصمتها القدس، لكن إسرائيل لا تقبل بذلك وفق ما أشرنا إليه، وأمريكا والغرب غير جادين في تنفيذ خيار الدولتين، غير أن حرب قطاع غزة، وعملية السابع من أكتوبر أفرزت ضغوطاً جعلت أمريكا تكرر بأن مستقبل السلام مرهون بإقامة دولة للفلسطينيين بجوار دولة إسرائيل، لكن كلام أمريكا عن دولة فلسطينية سوف يهدأ ويختفي متى ما وضعت الحرب أوزارها، فالتجارب والأحداث والتاريخ لا يساعدنا على الاطمئنان والثقة بكلام يصدر من واشنطن.