د. إبراهيم بن جلال فضلون
لم تمنع المملكة الناس من الحج لسنوات مديدة وأعوام كثيرة، بل كونهم من شرّفهم الله بخدمة ضيوفه الكرام، فقد أذنوا فيه كل خمس أو أربع سنوات؛ وفق ما تقتضيه الحاجة، ولما تكاثر الناس، وأصبح حجهم بهذه الأعداد، وكانت المشقة على الحجيج، كان من اللازم هذا الترتيب، كما أن الأماكن المقدسة تستوعب مليونين فقط، وقد زاد عن العدد مما أدى لتدافع الحجيج وحدوث عواقب وحوادث أخرى، فتم السعي إلى تيسير الأمر، وترتيبه وتنظيمه.
إن المسلمين يتمتعون بمرونة فيما يتعلَّق بموضوع أداء مناسك الحج، لاسيما تلك الصعوبات التي مرّوا بها بشكل فردي أو جماعي عبر التاريخ، والتي لا تعدّ ولا تحصى، وسواء اتفق المرء مع قرار المملكة العربية السعودية والعقوبات المفروضة على المخالفين #لا_حج_بلا_تصريح هذا العام، أم لم يتفق، فلا بدّ من الإشارة إلى أن مناسك الحجّ شهدت تعليقًا كليّا أو جزئيّا، لأكثر من أربعين مرّة، عبر التاريخ منذ ق 7 وحتى يومنا هذا، وكان ذلك استجابة لظروف مختلفة مرّ بها المسلمون، كردّة فعل على الظروف القاهرة والتي تصبّ في مصلحة الحجيج، وقد حدث عام 317 وحتى عام 339 هجريًا، أن أغار القرامطة على المسجد الحرام وأخفوا الحجر الأسود، وذبحوا آلاف الحجّاج، حينها توقفت مناسك الحجّ بالإكراه إلى أن دفع العباسيون فدية مقابل استعادة الحجر الأسود.. وقبلها عام 251 هجري، قام إبراهيم بن يوسف السفّاك، بقتل نحو ألف حاجّ في جبل عرفة، ونهب مكّة أيضًا.. وكما تسببت الجائحة كوفيد 19، في تقييد الحج، تم إلغاء الحج عام 357 هجري، بسبب الطاعون، ولم يُسمح للحجيج من خارج الحجاز من عام 372 لغاية العام 380 هجري بأداء فريضة الحج بسبب الصراع بين الفاطميين الشيعة والعبّاسيين السنة، أُذن لسكان الحجاز فقط بأداء فريضة الحج دون غيرهم. وفي عام 1831 وخلال ق 19 قتل وباء الطاعون ثلاثة أرباع الحجاج، حينها تم إلغاء مناسك الحج، وكل ذلك له تأثيراته على حياة الناس الروحية، ليلعب دوراً جوهرياً في تعزيز قيمة الحج ومكانته في نفوس المسلمين.
وقد دوّن الرحالة ابن بطوطة (779 هجري) تجربته في أحد سردياته بعنوان «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، قائلاً:» حزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور. وكان والديّ بقيد الحياة فتحمّلتُ لبعدهما وصبًا، ولقيتُ كما لقيا من الفراق نصبًا». إلا أنّ الحج اليوم لم يعد يستغرق السفر من عام إلى عامين، بل ساعات قليلة وتنظيمات جليلة من قبل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الميمون وحكومتهما المباركة وفي مقدمتها وزارة الداخلية وقطاعاتها المتكاملة كافة، بخطط مدروسة متكاملة، تستوعب حركة قاصدي الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة حجاجاً وعماراً وزواراً.. لتقديم خدمات تبهر العالم وتجعل لها الريادة في إدارة الحشود والتنظيم، فالحج المبرور الذي يتطلع إليه كل مسلم له مواصفات، ولا بد أن تصاحبه سلوكيات وأخلاقيات ترتقي بالحاج، بحيث يخلو من الرياء، ويؤديه المسلم مخلصاً قاصداً الأجر والثواب من الله، وترك الأفكار الضالة ذات الجبهات السياسية أو فلنقل «تسييس الحج» الذي يُعدُ جريمة في حق الدين وعدوان على الله ورسوله والمسلمين جميعاً، وما قررته الدولة الرشيدة في السعودية من تنظيم للحج والعمرة من باب عدم استغلال المشاعر الدينية ومخالفي الزيارات والإقامات وغيرهما من الداخل قبل الخارج، وهو أمر مخالف للدين الحنيف وتعاليمه، ويجب على جميع المسلمين رفض أي سلوك يخالف الدين والتنديد به. الذي نسأل الله تعالى أن يثيب قيادة المملكة وشعبها على حسن عملهم، وأن يجعل فيه خيرًا إلى يوم الدين، ويجب التعاون معهم لأن هذا التنظيم الذي يحصل به حفظ من تقدم، وحفظ من تأخر، فالالتزام باستخراج تصريح الحج والتزام قاصدي المشاعر المقدسة بذلك يتفق مع المصلحة المطلوبة شرعاً، ولا يجوز الذهاب إلى الحج من دون أخذ تصريح ويأثم فاعله.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجزى الله المملكة ورجال أمنها عن ضيوف الرحمن خير الجزاء.. وحج مبارك.