حاوره: عوض مانع القحطاني - تصوير: عبدالله المسعود:
إيماناً من صحيفة (الجزيرة) باستعراض مسيرة رجالات التنمية من مدنيين وعسكريين، نستضيف في هذا الحوار سعادة وكيل وزارة العمل لشؤون الرعاية الاجتماعية سابقاً، ومساعد رئيس هيئة حقوق الإنسان الأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم العجلان الذي خدم وساهم في تطوير العمل الإداري والخيري الإنساني في المملكة لعقود طويلة... إلى نص الحوار:
* أين كانت الولادة؟
- الولادة في بلدة (رغبة) الواقعة شمال غرب مدينة الرياض، وتبعد عن الرياض ما يقارب من 110 كم، وهي منطقة تابعة لمنطقة المحمل في محافظة ثادق.. نشأتنا كانت في الفلاحة، وكان شظف العيش في تلك الأيام قاسياً، لم نكن نحصل على اللبس الجيد والأكل الكافي بيسر، وكنا نساعد الأهل في المزارع وتربية الحلال.
* حدثنا عن مرحلة الطفولة.. كيف كانت؟
- بعد فترة تحولنا من بلدة (رغبة) إلى مدينة الرياض مع الأهل عام 1371هـ ومع انتقالنا إلى الرياض كانت الحياة في الرياض أفضل بكثير.. وأصبح عندنا هاجس كيف نتعلم في المدارس، وحتى الحياة في الرياض كانت بسيطة، وقد التحقت بالمدرسة الفيصلية في الرياض.
* كيف كانت بداياتكم مع التعليم؟
- حصلت على الابتدائية عام 1376هـ وحصلت على الكفاءة عام 1379هـ، وحصلت على الثانوية العامة عام 1382هـ، ثم التحقت بجامعة الملك سعود (كلية التجارة) علوم إدارية وتخرجت عام 1387هـ، وقد حصلت على العديد من الدورات في اللغة الإنجليزية في بريطانيا، وكذلك دورات في مجال العمل الإداري داخل المملكة وخارجها.
* كيف بدأت البحث عن العمل؟
- بعد أن حصلت على الابتدائية، وفي السنة الأولى والثانية من المتوسطة التحقت بوظيفة مدنية (كاتب) في وزارة الدفاع والطيران، وكان ذلك عام 1378هـ، ومن حسن حظي أن عملت تحت إدارة شخص يملك من الخلق والثقافة وحسن الإدارة والتوجيه هو الشيخ عبدالله الإسكندراني - رحمة الله عليه - هذا الرجل هو مدرستي في هذه الحياة، وكان نعم الموجه، وقد عملت في وزارة الدفاع لمدة سنتين، وكذلك كان لمعالي الفريق محمد بن عامر -رحمهم الله- جميعاً الفضل في توجيهي وإرشادي ودعمي، وفي نهاية عام 1380هـ طلبت الاستقالة لوجود فرصة في مكان آخر، وقد أصر معالي الفريق محمد بن عامر العسيري على أن أبقى لكن مع إلحاحي وألا يقف حجر عثرة في مستقبلي قال لي -رحمه الله-: إذا هذه الوظيفة فيها مستقبل لك.. فالله ييسر أمرك ووافق على استقالتي وكان نعم الرجل والأخلاق والتعامل.
وقد التحقت في نهاية عام 1380هـ بديوان الموظفين العام في ذلك الوقت واستمررت في عملي في الديوان من مرحلة إلى أخرى من وظيفة مدقق شؤون موظفين حتى وصلت إلى وظيفة نائب رئيس الديوان المساعد.. وقد استمر عملي في ديوان الموظفين أكثر من 30 عاماً، وقد طلب مني معالي الشيخ محمد الفائز أن أكون وكيلاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فوافقت، وقد التحقت بالعمل فيها في عام 1409هـ وقد أمضيت فيها حوالي 10 سنوات حتى تقاعدت، وقد تم دمج الرعاية الاجتماعية مع الشؤون الاجتماعية في ذلك الوقت وأصبحت وكالة واحدة.. وكانت طبيعة عمل الشؤون الاجتماعية تتركز على مراكز التنمية الاجتماعية وتعنى بالجمعيات الخيرية، وكما تعنى بقطاع المعاقين وقطاع رعاية الأيتام من مرحلة الحضانة إلى مرحلة التعليم في المدارس الحكومية، كما تعنى بدور الملاحظة الاجتماعية، وهناك العديد من مراكز المعاقين المنتشرة في أنحاء المملكة. وهناك مراكز البحوث الاجتماعية ومجال العمل الخيري والإنساني لأصحاب الظروف الخاصة.
* كيف كان العمل الخيري في ذلك الوقت على مستوى المملكة؟
- لا شك أن العمل الخيري في المملكة حظي باهتمام من قبل القيادة، وكان هناك في ذلك الوقت جمعيات خيرية تدعم وتساعد وتساند المحتاجين وأصحاب الظروف الخاصة وتساند العمل الحكومي، وتقديم البرامج المختلفة لتأهيل هؤلاء المحتاجين، وكانت هذه البرامج فاتحة خير لتأهيلهم للعمل ومصدر رزقهم.. الجمعيات منذ انطلاقتها في هذه البلاد تقدم العديد من البرامج الاجتماعية المهنية ونشاطها لا زال قائما،ً وقد تطور هذا النهج وأصبحت تساعد العمل الحكومي والمجتمع السعودي بطبيعته دوماً يدعم كل مشروع فيه خير للبلد وأبناء البلد بعطاء سخي.
* كم كان عدد الجمعيات التي تعمل في الميدان في ذلك الوقت؟
- في الفترة التي تركت فيها عملي في وزارة العمل كان عدد الجمعيات على مستوى المملكة أكثر من 230 جمعية خيرية.. أما في هذا الوقت فقد ارتفع عدد الجمعيات وأصبحت الجمعيات في كل منطقة وهجرة خاصة أن الدولة تشجع وتدعم هذه المناشط، وأهل الخير في هذه البلاد يدعمون هذه الجمعيات بسخاء خاصة العمل الخيري والإنساني.
* هل كان هناك عمل تطوعي في ذلك الوقت؟
- العمل التطوعي كان يتم من خلال عمل الجمعيات الخيرية.. وكل عمل الجمعيات في ذلك الوقت عمل تطوعي والبرامج التي تقدم كلها عمل تطوعي.. سواء كانت جمعيات رجالية أو نسائية كانت تتم بعمل تطوعي.
* كم كان عدد المعاهد أو المراكز التي تعنى بالمعاقين في ذلك الوقت؟
- كان عدد المراكز في ذلك الوقت يزيد على 32 مركزاً كان جزء منها يتم من خلال مبادرات من أهل الخير، ويتم إنشاء هذه المعاهد أو المراكز بتبرعات من رجال الأعمال، ولم يكونوا يفضلون الإفصاح عما يقومون به، وقد كنا نتلقى العديد من الرغبات في إقامة مشاريع تخدم المعاقين وقد استمرت هذه المشاريع ولا زالت دعماً لتوجهات الدولة، إضافة إلى المشاريع التي تقوم بها الدولة في أنحاء المملكة لخدمة العمل الخيري والإنساني، وقد كان لمعالي الفريق أول عبدالله البصيلي -رحمه الله - مساهمة كبيرة في إنشاء العديد من المرافق التي تخدم العمل الإنساني.
* ماذا تقدم لكم مراكز الأبحاث من دراسات تخدم العمل الخيري؟
- مراكز الأبحاث مهمة جداً وهي تساعدنا في التعرف على ما نقدمه من احتياجات المعاقين والرفع من مستوى الخدمات المقدمة لهم، ولا شك أن ولادة مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعتبر انطلاقة مهمة في أبحاث الإعاقة وبرامج وتنسيق الجهود بين كافة القطاعات التي تعنى بالمعاقين.. ولا زال المركز يقوم بدوره إلى يومنا هذا.
* ما القرار الصعب الذي اتخذته وندمت عليه عندما كنت على رأس العمل؟
- لم أتخذ أي قرار وأنا على رأس العمل وندمت عليه، القرارات التي أعتزم تنفيذها أستشير من حولي ومن أعرفهم وبعد التروي والدراسة، لذلك لم أندم على أي قرار.
* ما القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل التقاعد؟
- أن أتقاعد قبل أن يصل عمري 60 عاماً وقد تقدمت للتقاعد 3 مرات للتقاعد المبكر ورفض.. وعندما أحلت إلى التقاعد تشرفت بمقابلة الملك سلمان عندما كان أميراً لمنطقة الرياض، وأخبرته بأنني سوف أتقاعد فقال لي -حفظه الله- لا نريد أن تتقاعد نريدك أن تستمر، وطلبت منه قائلاً يكفي طال عمرك ما قدمت أريد أن أرتاح، قال لي اذا هذه رغبتك: الله يرعاك ومشكور على ما قدمته لوطنك.
* ما القرار الذي تمنيت أنك طورته؟
- كل مسؤول عنده طموح وأفكار.. ولكن ربما الإمكانات والوقت لم يساعداني في تحقيق كل ما نطمح إليه، هناك كثير من البرامج التي نعمل عليها بعضها لم نتمكن من تنفيذها، ولكن الزملاء من بعدنا طوروها وعملوا على تنفيذها.
* كيف ترون الجهود المبذولة في مكافحة الفساد وأثر ذلك على التنمية؟
- من المعلوم لجميع المهتمين بدراسة التنمية أن الفساد وغياب عدالة تكافؤ الفرص هي أكبر الانحرافات التي تجعل التنمية تواجه ما يشابه الثقب الأسود، ولذلك فإن رؤية 2030 التي طرحها سمو سيدي ولي العهد التي نفخر كل يوم بمنجزاتها تتضمن محاربة الفساد والفاسدين وتنقية المجتمع من المناخ السلبي والآثار المدمرة للفساد في المجتمع، واليوم نشهد جميعاً أن كثيرا من دول العالم القريب والبعيد يرى المملكة العربية السعودية ورؤيتها المباركة سقفاً لطموحاته وتطلعاته في التنمية ومحاربة الفساد.
* ما الموقف الإنساني الذي صادفته وأنت تعمل مع فئات المعاقين وأصحاب الحاجة؟
- هناك كثير من المواقف الإنسانية وعمل الشؤون الاجتماعية كلها مواقف، ولكن الموقف الذي لا زال في ذهني هو عندما حصلت أزمة الكويت وكانت الحرب على أشدها، طلبت العمالة الأجنبية التي تعمل مع المعاقين ومراكز الفئات الخاصة ودور الرعاية وشديدي الإعاقة أن تغادر المملكة خوفاً من الحرب.. وكانت هذه الأعداد الكبيرة من المتعاقدين تعنى بتقديم هذه الرعاية والخدمة لأعداد كبيرة في دور الرعاية الاجتماعية، كان أمامنا تحدٍّ كبير كيف نسد مكان هذه الأعداد.. وأريد أن أؤكد أن في هذا الوطن من الشباب والشابات ممن عندهم الحماس لخدمة وطنهم، فقد جندنا الكثير من هؤلاء محل من يرغبون المغادرة وتجاوزنا الأزمة بجهود السعوديين والسعوديات.
* كيف ترى عمل المرأة السعودية في مجال الرعاية الاجتماعية؟
- المرأة السعودية ومن خلال تجربة عايشتها في مجال عملي لا مثيل لها إطلاقاً، فهي تملك مهارة وأخلاقاً وتعاملاً وتطبيقاً لتعاليم الدين الإسلامي مع المحتاجين ومن ترعاهم بشكل يشعرنا بالفخر.
* كيف تنظر إلى رؤية المملكة؟
- هذه الرؤية بدأنا نلمس عطاءها من خلال التخطيط والوصول إلى الأهداف، حيث وجدنا كثيراً من الأهداف تحققت، وكثيراً من الإنجازات، ونتطلع أن تستمر هذه الرؤية حتى نكون في مصاف الدول المتقدمة. والمواطنون كل في مجاله يلمس هذه الرؤية، ونقدر للملك سلمان وولي عهده هذه الجهود وهذا الإصرار على هذه النقلة الحكيمة في بلادنا مقارنة بما تعيشه الدول من اضطرابات.
* كيف تقيمون المصالح المشتركة مع الدول؟
- نعم هناك تغيير في سياسة المملكة الخارجية، مسألة تأخذ ولا تعطي مرفوض في رؤية الأمير محمد بن سلمان، مصالح المملكة فوق كل الاعتبارات، لم يعد هناك مجاملات في علاقات المملكة مع الدول المهم أن تكون العلاقات مبنية على المصالح المشتركة، والعلاقات المرتكزة على التعاون المثمر لمصلحة البلدين.. الأمير محمد بن سلمان جعل المملكة في مكانها وثقلها الحقيقي الذي أصبحنا نلمسه جميعاً ونفخر به.
* كيف تنظر إلى مستقبل السياحة في المملكة؟
- السياحة لا شك أنها من ضمن الروافد التي نلمس آثارها في الاقتصاد السعودي اليوم.. وهناك إقبال على السياحة الدينية وسياحة لمعالم وآثار المملكة وأجواء المملكة المتنوعة، فالسياحة اليوم داخل المملكة مشجعة لوجود البنية التحتية والمشروعات الترفيهية المتكاملة، ولم نعد نحن المواطنين في حاجة للسياحة في الخارج لتوافر متطلبات المواطن في داخل المملكة، وأصبحت جاذبة للسياح من دول الجوار ومن جميع دول العالم.
* كيف تنظر إلى اللحمة الوطنية للحفاظ على هذه المكتسبات؟
- لا يوجد بلد في العالم تتوافر فيه مسألة اللحمة بين القيادة والشعب مثل ما هو موجود في هذه البلاد وأهلها. فقيادتنا -ولله الحمد- من أحرص الناس على مصالح مواطنيها في شتى مناحي الحياة، والمواطن يلمس ذلك ولن نسمح لأحد أن يزايد على لحمتنا وعلاقاتنا بقيادتنا التي أثبتت في كل المراحل قوة صلابتها. وعلينا تربية أجيالنا بالمحافظة على لحمتنا، وعلى الولاء لقيادتنا وألا نلتفت للمغرضين المتربصين. فلا عزاء لهم.. خاصة أننا نرى بلداناً في محيط منطقتنا تعيش في خلافات وحروب وانفلات أمني.
* ما برنامجك اليومي بعد التقاعد؟
- لم أكن أرغب في أي عمل بعد التقاعد ولكن وبطلب من معالي الأستاذ تركي بن خالد السديري رئيس هيئة حقوق الإنسان طلب مني أن أعمل معهم، وعملت معهم عندما كانت الهيئة تحت التأسيس وقد بقيت معهم حوالي 4 سنوات ثم انتهت عضويتي وتم تكليفي أيضاً عضواً في مجلس منطقة الرياض لمدة 4 سنوات والآن متفرغ لأبنائي وأسرتي.
* هل أنت مع الاستفادة من خدمات المتقاعدين؟
- نعم هناك خبرات لا تعوض عند بعضهم وهم كنوز لا بد أن يستفاد منهم، وهم قدرات خاصة في مجال الطب والهندسة والمهن والخبرات الفريدة.