عبدالله إبراهيم الكعيد
في المنتزهات والحدائق العامة والشواطئ وغيرها قليل ممن يترك المكان نظيفا كما كان. النفايات من كل نوع تغطي المساحات وخصوصا في صباحات نهاية الأسبوع (الويك إند).. المُدهش أن أولئك الذين تركوا نفاياتهم بالأمس يعودون في الغد ويتعبون في البحث عن مكان نظيف وقد نسوا بأنهم سبب تراكم تلك النفايات.
هذا أحد نماذج (أنا وغيري بسلامته)
نموذجٌ شائعٌ آخر نراه في مواقف السيارات حيث يقف أحدهم بشكل عشوائي في موقف يتسع لعدّة سيارات لأن هذا الـ(أحدهم) لم يفكّر إلاّ في نفسه، وحين ينتظم الناس في تلك المواقف يقف خلف سياراتهم ويحتجزهم، ولو تجرأ أحد أولئك الخلق على معاتبته فسيسمع كلاماً لا يُرضيه.
في الطريق وهو «كل سبيل مفتوح للسير العام» يقوم أيضا ذلك الـ(أحدهم) بالوقوف التام في وسط ذلك السبيل المتاح لعبور كل الناس لأن (أناه) نادته بالتحدث من نافذة سيارته لصديقه الذي التقاه صدفةً. لم ولن يُفكّر اصلاً بالوقوف جانبا لأنه وصديقه يحملون ذات (الأنا) والطبع والمزاج. أناهما أوهمتهما بأنهما الأهم والبقيّة تاليا.
هذا النموذج أراه الأوضح والأكثر شيوعاّ مما يدفعني لتناوله والحكي عنه.
تمنيت حمل ذلك المشهد وبقيّة النماذج كعينات عشوائية وطرحها على طاولات تشريح علماء النفس والاجتماع مُرفقة بالسؤال لماذا وما هو سبب ذلك السلوك المتمحور حول (أنا الأهم وغيري بسلامته)؟
قرأت بعض الكتب المتخصصة في علم النفس ولم تُشف غليلي. أقصد لم أجد تحليلا مُقنعا لأن من كتب وتحدث حول تلك الحكاية بأسئلتها ليس من بني جلدتنا ولن يتصور تلك المشاهد أصلاً. توكلت على الله وفتحت مخازن مفاهيمي فقلت: ربما كان عامل انعزال بعض الأسر الميسورة عن الآخرين بدلا من التشارك الجماعي مع بقية أفراد المجتمع في العيش المشترك أحد الأسباب. في المواصلات سيارة خصوصية بدلا من حافلة. مدرسة خاصة بدلا من عامّة. مسبح خاص في المنزل بدلاً من المسابح المُشتركة. استراحة خاصة بدلا من حديقة عامّة. ومدخل (تنفيذي) خاص في المطارات بدلاً من الصالات العامة وغير ذلك مما أدى إلى تكريس نزعة الفردانية وتورم الأنا في وجدانات أولئك الأفراد فأصبحت قاعدة «أنا وغيري يدبّر أموره» هي المبتدأ والخبر في إعراب جُملة «حقوق الآخرين».
إن تعاليم ديننا الحنيف تنص على «حب لأخيك ما تحب لنفسك» وهذا النص الأخلاقي العظيم لا علاقة له بالمفهوم المغلوط والأناني «أنا الأهم وغيري بسلامته» الذي يعني إقصاء الآخر وانتهاك حقوقه إن لم يكن إلغاء وجوده؟