هناء الحمراني
بالرغم من الجهود المبذولة في المملكة العربية السعودية لرفع مستوى التعليم، وحدوث تحولات كبرى في النظام التعليمي، والمناهج، إلا أن مخرجاته ما زالت تواجه عددًا من التحديات التي يشير إليها مؤشر رأس المال البشري الصادر من البنك الدولي، وكذلك نتائج الاختبارات الدولية، والاختبارات المحلية المتمثلة في اختبارات نافس واختبارات القبول الجامعي القدرات والتحصيلي، فضلًا عن وجود فجوة بين المخرجات ومتطلبات سوق العمل.
وفي الجانب الإداري، ما زالت هناك الكثير من الملفات المفتوحة التي تتطلب حلولًا جوهرية للوصول إلى استثمار أمثل للموارد المالية والبشرية، كمشكلات المناطق النائية، ونقل المعلمين، وتمكين المدارس وغيرها.
ومع هذه التحديات، جاء برنامج القدرات البشرية، إلى جانب برامج الرؤية الأخرى ليحدث تحولًا استراتيجيًّا في مختلف القطاعات بما فيها قطاع التعليم.
هذه التحديات والتحولات الاستراتيجية تتداخل فيما بينها، ويؤثر كل منها على الآخر، مما يتطلب تغيرًا في النمط الإداري المتبع لقيادة وزارة التعليم. واستخدام (بارادايم) مختلف للنظر إلى المشكلات، وكيفية حلها.
وبمجيء معالي وزير التعليم من تخصص هندسي، وهو مختلف عن التخصصات المألوفة لقيادات وزارة التعليم، وقيامه بتكليف المهندسين محمد بن ناصر الغامدي، وإياد بن عبد الرحمن القرعاوي، مساعدين لمعاليه، ليعطي انطباعًا بوجود نظرة جديدة ومختلفة عما اعتدنا عليه في وزارتنا، وقد جاءت التكليفات بعد أن تولى كلا المساعدين مناصب مهمة في وزارة التعليم، مما مكنهما من الاطلاع على التحديات التي تواجهها الوزارة، والطرق الحالية المتبعة لمعالجتها.
وفي سياق هذه التكليفات طرحت تساؤلات من المهتمين حول الأثر المتوقع من تولي المتخصصين في الهندسة مناصب قيادية مهمة في وزارة متخصصة بالتعليم، وتبدأ الإجابة بتأمل أهمية التخصص عند شغل المناصب القيادية، فلكي يقوم أي متخصص بمهامه التقنية، فإنه بحاجة إلى التمكن من تخصصه، وكلما صعد في عمله إلى المناصب القيادية، كلما كانت الحاجة إلى علمه بالتخصص أقل، والحاجة إلى المهارات القيادية أكبر، مع أهمية وجود من هو متخصص في مجال المنظمة في مستشاريه والمقربين إليه.
وبالقياس على وزارة التعليم، فلكي يقوم المعلمون بمهامهم، فمن الضروري أن يكونوا متمكنين من تخصصهم العلمي، إلى جانب التخصص التربوي الذي يدعم تواصلهم مع طلابهم. ويساهم في تحقيق نواتج تعلم فعالة. ويأتي المشرف التربوي ليجمع بين التخصص العلمي، والمهارات القيادية، بينما يتطلب القادة في المناصب الأعلى إلمامًا بالمهارات القيادية بالدرجة الأولى، مع لمحات يسيرة حول التعليم ونظرياته التربوية؛ ففريقه الاستشاري المتخصص في المناهج، واقتصاديات التعليم، والتنمية المهنية للمعلمين وغيرهم هو نقطة قوته التي تعوض عدم توفر الخبرة التخصصية لديه.
وإلى جانب السمات الشخصية للقادة، والتوجهات الوطنية التي يعملون في ضوئها، فإن تخصصاتهم ودراستهم وخبراتهم السابقة تؤثر على طريقة إدارتهم، وحلهم للمشكلات؛ فالمهندس يبدأ تعليمه من أسس الرياضيات والفيزياء ثم التخصص العلمي التطبيقي للعمليات في مجاله، لذلك فإن نمط التفكير لديه قائم على المدخلات والعمليات والمخرجات، وعند حل المشكلات يعملون على تفكيك العمليات في خطوات منظمة (Systematic)، مما طور لديهم مهارة البحث عن الحلول، واختيار الحل الأفضل الذي يتميز عادة بالبساطة والمباشرة.
ويمكننا القول بأن المهارات التخصصية لدى المهندسين هي الأكثر قربًا إلى المهارات القيادية مقارنة بغيرها من التخصصات، فضًلا عن أن طبيعة عملهم، وطريقة إدارتهم يمكن أن تساهم في تحقيق المستهدفات الاستراتيجية في المرحلة المقبلة، كما أثبتت الممارسات العالمية نجاح المهندسين في المجال القيادي مقارنة بغيرهم من التخصصات. وهذا بالطبع لا يعني قصورًا في أداء القادة من التخصصات الأخرى.
وبالعودة إلى مشكلات التعليم لدينا، فقد استلم المساعدان الآن أهم الملفات المتعسرة في الوزارة؛ ملف الموارد البشرية وملف الكفاءة الاقتصادية. دورهما لن يتطلب منهما النزول للفصول الدراسية للتعليم وإنما تحسين كفاءة الأداء الإدارية والاقتصادية وقد بدأت بعض الأفكار الجيدة في هذا المجال تتضح، مثل إيكال العمليات التشغيلية إلى شركة التعليم أو منح المناطق صلاحيات أوسع في العمليات التنفيذية، واستقلال المركز الوطني للمناهج، إلخ.
إننا وبكل دعم وتشجيع مقبلون على مرحلة جديدة، فيها ما فيها من تحديات لابد من أخذها بعين الاعتبار، وتم فيها إحداث تغييرات جذرية ليس في النظام التعليمي وحسب، بل في هيكلة وزارة التعليم، والنمط القيادي المتبع فيها. آملين أن تتكامل، وتتكاتف العقلية الهندسية، مع العقلية التربوية لحل مشكلات التعليم لدينا، والانتقال إلى مرحلة الإبداع والابتكار، من خلال منهجية عمل جديدة قائمة على التبسيط (Simplicity)، كما أشار إلى ذلك معالي وزير التعليم في مبادرة القدرات البشرية.