د. غالب محمد طه
التنوع الثقافي سنة إلهية وقيمة إنسانية أكدها القرآن الكريم في كثير من الآيات..
الثقافة الإسلامية، كجزء حيوي من التراث الإنساني، لها تأثير عميق وواسع النطاق على العالم. القيم والمبادئ الإسلامية تشكل مصدر إلهام للعديد من المجتمعات، ولها إسهامات كبيرة في تشكيل الهويات الثقافية والحضارية.
الإسلام، كدين عالمي وخاتم للأديان، يدعو إلى التفاعل بين الحضارات وينكر المركزية الحضارية التي تسعى إلى فرض نموذج ثقافي واحد ومهيمن، فقد شجع الإسلام على التنوع الثقافي واعتبره جزءًا أساسيًا من الحضارة الإسلامية، ودعا إلى الاحترام المتبادل والتفاهم بين الثقافات المختلفة، وشجع على الحوار والتعاون من أجل تحقيق العيش المشترك والسلام. إن الإسلام، بتأكيده على العدل والمساواة والتسامح، يقدم نموذجًا قويًا للتعايش السلمي والتفاعل الثقافي الإيجابي، إن الثقافة الإسلامية، بتأثيرها العميق والمستدام، تواصل إثراء العالم بمساهماتها القيمة.
في الحادي والعشرين من مايو من كل عام يحتفي العالم باليوم العالمي للتنوع الثقافي، وهو يوم يُذكّرنا بالثراء الثقافي الذي تمتلكه البشرية والدور الحيوي للتفاهم المتبادل في بناء مستقبل مزدهر للجميع، تبرز أهمية حماية التنوع الثقافي وتعزيز الحوار بين الثقافات كعناصر أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. ويُعد التنوع الثقافي جسرًا يربط بين الشرق والغرب، حيث يُسهم في تبادل الأفكار والخبرات ويُعزز من التفاهم المتبادل. ويعتبر ركيزة للابتكار والإبداع، ويُسهم في توفير فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي. وفقًا لبيانات اليونسكو، يوفر القطاع الثقافي أكثر من 48 مليون وظيفة حول العالم، ويُعتبر الشباب أكبر المستفيدين من هذه الفرص. ومع ذلك، لا يزال هذا القطاع يفتقر إلى الاعتراف الكافي في السياسات العامة والتعاون الدولي.
يُعد اليوم العالمي للتنوع الثقافي فرصة للتأمل في قيمة التنوع وأهميته في بناء عالم يسوده السلام والازدهار فالاحتفال بهذا اليوم يُعزز من التضامن العالمي ويُشجع على الحوار البنّاء الذي يُعد أساسًا لمستقبل مستدام.
تُعتبر الثقافة جسرًا يربط بين الشعوب، مُتيحًا لنا فهم الآخر واحترام تقاليده وعاداته. إنها تُعلمنا القيمة الحقيقية للتنوع وتُظهر لنا كيف يمكن للتباين أن يُثري مجتمعاتنا.
التنوع الثقافي هو أيضًا محرك للإبداع والابتكار. فالفنون والأدب والموسيقى وغيرها من أشكال التعبير الثقافي تُعطينا القدرة على التعبير عن أنفسنا وتُلهمنا لنتجاوز الحدود ونبتكر.
ومن خلال الاحتفاء بالتنوع الثقافي، نُسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا وتفاهمًا، قادرة على مواجهة التحديات المشتركة.
وبالنظر إلى النموذج السعودي في التنوع الثقافي نجد المملكة العربية السعودية تشتهر بتنوعها الثقافي الغني، الذي يعكسه التراث العريق والأزياء الشعبية والفولكلور والأهازيج والمأكولات الشعبية المتنوعة. تتميز كل منطقة بخصائصها الثقافية الفريدة، من العرضة النجدية إلى الأزياء الحجازية، مما يسهم في رسم هوية ثقافية غنية ومتنوعة.
حيث تعتبر رؤية السعودية 2030 خارطة طريق لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وتضع الثقافة كأحد مقومات جودة الحياة والنمو الاقتصادي وتسعى لبناء مجتمع حيوي يعتز بتاريخه وتراثه، وينعم بنمط حياة صحي ومستدام، ويتمتع بروح متسامحة تعكس قيم الإسلام. كما تهدف إلى تعزيز الاقتصاد من خلال دعم الشركات والاستثمار في التعليم، مما يوفر فرصًا متعددة للنجاح.
وهذا ما ذهبت اليه الجامعة العربية بإعلانها إن التنوع الثقافي يُمثل فرصة للمجتمعات حول العالم للتأمل في قيمة التنوع كمحرك للابتكار والتنمية المستدامة، ودعوة للأفراد والمؤسسات للمشاركة في أنشطة تُعزز من قيمة الحوار والتفاهم، سواء عبر الفنون، التعليم، أو المبادرات المجتمعية. حيث أكدت الجامعة العربية التزامها بالتنوع والحوار بين الثقافات كركائز للتنمية والسلام، وأهمية التنوع الثقافي في تعزيز التفاهم المتبادل والتعايش السلمي بين الشعوب.
الثقافة العربية هي المرآة التي تعكس طبيعة الحياة الاجتماعية والفكرية عند العرب، وتساهم في توضيح مكونات المجتمع العربي والقيم الأصيلة الخاصة به. تشكل الثقافة العربية منظومة متكاملة من الأسس التي تعمل على تعزيز دور اللغة العربية في نقل الصورة الحقيقية عن الشعوب العربية إلى العالم.
التراث الثقافي بالدول العربية يتميز بالتنوع والغنى، ومسؤولية حمايته ضد أعمال النهب والسرقة والتشويه ملقاة على عاتق الجميع، وينبغي التفاعل معها إيجابًا من أجل نقله إلى الأجيال القادمة بصورة صحيحة ومشرفة.
التنوع الثقافي هو ما يجعل العالم مكانًا غنيًا ومثيرًا للاهتمام. يمكننا رؤية التنوع الثقافي في العديد من الأمثلة حولنا. على سبيل المثال، في الموسيقى، حيث تتنوع الأنغام والألحان والأدوات الموسيقية من ثقافة إلى أخرى. في الطهي، حيث تتميز كل ثقافة بأطباقها ونكهاتها الفريدة. في الفن، حيث تعبر كل ثقافة عن نفسها من خلال أشكال فنية متنوعة مثل الرسم، النحت، الرقص، والأدب. في اللغة، حيث تتنوع اللغات واللهجات والألفاظ بين الثقافات المختلفة.
وفي الرياضة، كرة القدم ليست مجرد رياضة، بل هي ظاهرة ثقافية عالمية تجمع اللاعبين من كل حدب وصوب. اللاعبون العالميون عندما يأتون إلى البلدان العربية، يحملون معهم مهاراتهم وثقافاتهم، وفي الوقت نفسه يتأثرون بالثقافة العربية، مما يعزز التنوع الثقافي والفهم المتبادل حيث يشاركون في الأحداث الثقافية المحلية، يتعلمون عن العادات والتقاليد العربية، ويشهدون التنوع الثقافي. هذه التجارب تعزز القيم الثقافية المحلية وتعمق الفهم المتبادل، مما يثري الحياة الثقافية في البلدان العربية.
بالإضافة إلى ذلك، اللاعبون العالميون يؤثرون في الثقافة المحلية من خلال تبادل الخبرات والتقنيات، مما يساهم في تطوير الرياضة وتحسين البنية التحتية للكرة القدم. بالتالي، فإن كرة القدم ليست فقط لعبة، بل هي وسيلة للتواصل الثقافي والتبادل، وتعزيز التنوع والفهم المتبادل في المجتمعات العربية.
ويُعد التنوع الثقافي أكثر أهمية من أي وقت مضى، ليس فقط كمصدر للجمال والإلهام، بل كأساس للتقدم والازدهار. فهو يعكس الهوية الجماعية للمجتمعات. الهوية، بمفاهيمها المتعددة، تُعبر عن الانتماء والولاء وتُشكل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي.
إن التفاعل مع ثقافات مختلفة يفتح الباب أمام فرص جديدة في العمل والتعليم والعلاقات الشخصية، ويُشجع على بناء علاقات اجتماعية متنوعة ومتعددة الأبعاد. التعرف على ثقافات متعددة يُعزز الثقة بالنفس ويُساعد الأفراد على تقدير ثقافتهم الخاصة.
الخلاصة.. التنوع الثقافي يُعزز من فهم الأفراد للعالم من حولهم، ويُساهم في توسيع آفاقهم المعرفية والفكرية. يُعتبر التنوع الثقافي مصدر غنى وقوة للمجتمعات، ويُساهم في بناء عالم أكثر تفاهمًا وتسامحًا.
في اليوم العالمي للتنوع الثقافي، دعونا نُجدد التزامنا بالحوار والتفاهم، ونُشارك في الاحتفالات التي تُبرز غنى ثقافاتنا. فلنستلهم من التنوع الثقافي القوة لبناء مستقبل مزدهر ومستدام للجميع.