د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
بداية يجدر بنا تناول مفهوم التربية الجمالية بأنه عملية تتم بحضور الذات باعتبار التربية الجمالية بوتقة تصنع فيها المشاعر الوجدانية؛ فمن يتذوق الجمال شريك حقيقي في تأطير المشهد وفق رؤيته الخاصة؛ والتربية الجمالية تنطلق من كون الانتماء إلى الجمال والبحث عنه هو من الانتماءات الفطرية عند الإنسان كالانتماء للمكان وللثقافة.. الخ، فقد أصبحت التربية الجمالية ضرورة في بناء الشخصية؛ وهي بُعْدٌ عميق منذ وجود الإنسان على وجه الأرض كالتفاعل مع الطبيعة ومحاكاتها وما على الأرض من موجودات؛ وبقي الإنسان إما منتجا للجمال أو متلقيا ومتذوقا له! ولحظات الإحساس بالجمال خبرات مشتركة بين المبدع والمتلقي؛ وهنا تحديدا سوف أطرح رؤية تربوية حول التربية الجمالية عند الأطفال استنادا إلى أن الطفولة هي الزمن الذهبي للتعلم في عمومه؛ كما أن الطفولة أرض خصبة لتكوين الإبداع الذي يبزغ في المستقبل، وتأسيسا على أن التربية الجمالية [محسوسات مادية وأقوال وأفعال] أمر فطري في جوانب منه فهو قابل للتهذيب والتثقيف من خلال القراءة والاطلاع فإن ترقية التربية الجمالية عند الأطفال تقتضي معرفة وثقافة غنيتين ومتنوعتين ومصادرهما المؤسسات التعليمية في المراحل الأولى ثم الأسرة والمجتمع؛ ويتشكل ذلك من خلال إثراء البيئة التعليمية للأطفال بالمفردات الجميلة التي تتناسب مع مستوى النضج عند الأطفال في تلك المرحلة كما أن نمو الذائقة الجمالية تتحقق من خلال التفعيل العملي المحسوس من خلال تفاعل الطفل مع ذاته ومحيطه بممارسة التنظيم والتنسيق والترتيب والعناية بالبيئات التعليمية والبيئة العائلية ومما يثري واقع الإدراك الجمالي عند الأطفال أن يعتاد الطفل على الاهتمام بالتفاصيل والأجزاء ولابد في مسيرة الطفل لتلقي المعرفة أن تسعى المعلمات خاصة في المراحل الأولية إلى جذب الطفل إلى الجمال في العلاقات الراقية مع الأقران والعلاقات المكتنزة احتراما بين الممارسين التعليميين الذين يملأون المؤسسة التعليمية وكذلك على الأسرة خلق ذلك الجو من العلائق الجميلة في محيط الأطفال..
وتأكيدا على أن الجمال ينبع من الداخل مثل الفرح والحزن وغيرهما وأنه استعداد قبل أي شيء فإن ترقية الذائقة الفنية عند الأطفال متكأٌ وثير لصناعة الطفل المتذوق الراقي؛ فهناك لحظات جمال تنشق عن المسرح المدرسي والسينما والفنون التشكيلية والأدب بفنونه؛ وتكون النتائج مبهجة عندما يكون مستوى الاطلاع وتلقي المعرفة عميقا مبدعا؛ وعند ذاك يكون الطفل قد مارس فعلا تذوقيا تجاوز ادراك المعاني الظاهرة إلى الخيال الخصب المجنَّح الذي يمثل مشاركة الطفل في إعادة إنتاج العمل الفني بصيغة أخرى إبداعية ومن ثم يشارك الطفل أيضا في بناء المتعة الشخصية لديه والرضا عن ذاته، وبذلك يتمكن الطفل من الوصول إلى مرحلة المتلقي الإيجابي المبدع.
وفي هذا المجال نؤكد أن ترقية الذوق الفني عند الأطفال يوازيه إنتاج لثقافة الطفل من قبل الأسرة والمدرسة تردفها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بمفهومه الواسع وحضوره المجتمعي اللافت؛ ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم المؤسسات التعليمية بما يجعلها قادرة على تحقيق خطط التنمية الثقافية المستدامة، إضافة إلى توفير وسائل الانتشار الثقافي بين الناشئة من قبل المؤسسات المختصة؛ كما أن هناك وسائل تقليدية ذات قيمة للاتصال الثقافي كالشعر والسرد والحكايات والأساطير والقصص والفنون الشفهية، ويجدر بنا الاهتمام بهذا الجانب التنموي في شخصية الطفل حيث توجيه الأطفال إلى التذوق الجمالي، وتكوين ذاكرة من الخبرات الفنية والتجارب ثم إثرائها وترقية المستوى المعرفي والثقافي والوجداني؛ كل ذلك كفيل بتمكين الأطفال من الكفايات المناسبة للاتصال مع الأعمال الفنية في عمومها!
وختاما فإن احترام شخصية الطفل واستنتاج علاقات أفقيه توجه الطفل نحو الاشتراك والانصات العميق وتنشيط خيال الطفل وتعويده على العمليات الذهنية المركبة؛ وتنمية ملكاته من قبيل التحليل والاستنتاج والتركيب والاستثمار، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والاجتهاد حيث إن التربية الجمالية عشق تتولد عنه متعة لا تنقطع وشخصية مبدعة.
يقول الشاعر بدوي الجبل من قصيدته الجميلة «من أجل الطفولة»:
ويا ربّ من أجلِ الطفولةِ وحدَها
أفِض بركاتِ السِّلم شرقًا ومَغربا
وصُنْ ضحكةَ الأطفالِ يا ربّ إنَّها
إذا غرَّدت في مُوحشِ الرملِ أعشَبا