د. أحمد محمد القزعل
المراهقة هي مرحلة بداية تحقق النمو والنضج الكمي والنوعي عند الطفل بشكل سريع ومتتابع؛ لذا تحتاج هذه المرحلة إلى رعاية خاصة، ففي هذه المرحلة العمرية تبرز معظم المشاكل التربوية والفكرية والسلوكية، والأبناء فيها إما أن ينحرفوا، وإما أن يسيروا في الطريق الصحيح نحو الهداية والرفعة الإنسانية.
وهي مرحلة انتقالية حاسمة بين الطفولة والرشد، تمتد عادة من سن الثانية عشرة إلى سن الثامنة عشرة، ويمكن أن يختلف العمر الزمني بناءً على الثقافات والمجتمعات، وتعد هذه الفترة واحدة من أكثر الفترات تأثيراً في حياة الإنسان، حيث يمر خلالها الفرد بتغيرات جسدية ونفسية واجتماعية هامة.
بدايةً تتميز المراهقة بتغيرات متعددة منها:
1 - التغيرات الجسدية: كالنمو السريع في الطول والوزن ونمو الأعضاء التناسلية، وظهور علامات البلوغ مثل: شعر الجسم وتغيرات الصوت، وعند الفتيات يتجلى ذلك في تطور الثديين وبدء الدورة الشهرية..، وهذه التغيرات يمكن أن تسبب شعوراً بالقلق أو عدم الارتياح لدى بعض المراهقين، خصوصاً إذا حدثت بسرعة أو ببطء مقارنة بأقرانهم..
2 - التغيرات النفسية والعاطفية: كتطوير الهوية الذاتية واستكشاف الذات، وزيادة الاستقلالية عن الأهل، وتقلبات عاطفية وصراعات داخلية، وهذه الفترة قد تشهد تقلبات مزاجية وتغيرات في السلوك، نتيجة لمحاولة المراهقين التكيف مع التغيرات الجسدية والنفسية..
3 - التغيرات الاجتماعية: كتأثير الأقران والمجتمع بشكل أكبر على السلوك حيث يسعى المراهقون إلى بناء علاقات أكثر تعقيداً خارج دائرة الأسرة، مع الأصدقاء وزملاء الدراسة، ويمكن أن يتعرضوا لضغوط اجتماعية مثل: محاولة التكيف مع المجموعة أو مواجهة التنمر، وهذه العلاقات تلعب دوراً مهماً في تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي..
4 - التغيرات العقلية: كتطور القدرات الفكرية والتفكير النقدي والاهتمام بالقيم والمبادئ الشخصية، والقدرة على اتخاذ قرارات معقدة..
كما تواجه مرحلة المراهقة تحديات كثيرة في عصرنا الحالي منها: ضغوط الدراسة والتوقعات الأكاديمية وضغوط الأقران، والتعامل مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد تترافق هذه التحديات مع مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق، وأحيانًا مع سلوكيات خطرة مثل: تعاطي المخدرات أو الانخراط في علاقات غير صحية، وللتعامل مع هذه التحديات، يحتاج المراهقون إلى دعم وتوجيه من الأهل والمعلمين والمستشارين، ومن المهم أن يكون لدى المراهقين بيئة آمنة ومفتوحة يمكنهم فيها التعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم، والتركيز على الحوار المفتوح والمستمر يساعد في تعزيز الثقة وتقديم النصح الملائم.
والمراهقة هي مرحلة غنية بالتحديات والفرص، وتلعب دوراً حاسماً في تشكيل شخصية الفرد وتوجهاته المستقبلية، وإن الفهم والإدراك والعقل يتغير بالبلوغ وهو الفاصل بين التكليف وعدمِه، كما جاء في الحديث الشريف، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلمَ، وعن المجنون حتى يعقلَ) (صحيح أبي داود، الرقم: 4403).
فمن خلال فهم التغيرات التي يمر بها المراهقون وتقديم الدعم المناسب نساعدهم على الانتقال بسلاسة إلى مرحلة البلوغ والنضج، ومن المهم هنا التركيز على التربية وهي كما نعلم تعهد نمو الشيء مرحلة بعد مرحلة حتى يبلغ تمام نموّه وكماله، والتربية الدينية السليمة، يمكنها أن تُنجي المراهق من الضياع الذي تفرضه مرحلة المراهقة، وتُرشده إلى كيفية تلبية احتياجاته العاطفية بالطرق الصحيحة والشرعية، فيعثر المراهق على مكانته الأصلية ويبني شخصيته الحقيقية ويعتز بها، ولا يخضع لذُل الذنوب والمعاصي.
ويقول الشيخ صالح الفوزان في بيان بعض التوجيهات التربوية الإسلامية للمراهق ما نصَه: «فإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلمه وأن يربيه على الخير بأن يعلمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل بأن يعلمه كيف يتوضأ وكيف يصلي، ويعلمه الأذكار عند النوم وعند الاستيقاظ وعند الأكل والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز فإنه يعقل ما يؤمر به وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة ويبين له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها كالكذب والنميمة وغير ذلك، حتى يتربى على الخير وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جداً غفل عنه بعض الناس مع أولادهم» (المنتقى من فتاوى الفوزان: 5/ 297).
وقد يجد بعض الآباء صعوبةً في قيادة دفَّة التعامل أثناء فترة المراهقة؛ لأنهم لم يوفِّروا للطفل حقَّه الكامل في الاحترام أثناء طفولته، ولا بد من وجود مساحة إضافية من الحرية للأبناء في اتخاذ القرارات، وإن الفهم الصحيح لمرحلة المراهقة بشكل جيد يساعد الأهل والمربين على دعم المراهقين بشكل أفضل، وتوفير البيئة الملائمة لهم للتطور والنمو السليم، وحقيقة فإن تعامل الآباء مع أبنائهم المراهقين يمكن أن يكون تحدياً، لكن هناك استراتيجيات يمكن أن تساعد في تحسين التواصل ودعم النمو الصحي لهم منها: التواصل الفعّال المفتوح والصريح مع الأبناء واستماع لهم دون الحكم المسبق، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، وتحديد القواعد والسلوكيات الواضحة في التعامل معهم، وتشجيعهم على اتخاذ بعض القرارات بأنفسهم، ودعمهم في تطوير مهارات حل المشاكل، وتوفير القدوة الحسنة واتباع سياسة الاحترام المتبادل واستخدم النصح الإيجابي والتشجيع وتجنب الانتقاد اللاذع أو السخرية منهم...
ويمكن القول: إن المؤسّسة الأسرية التربويّة الصّغيرة في المنزل تحقّق أهدافها من خلال نظام الحوار الهادّف بين أفراد العائلة الواحدة، فيتعلّم الأولاد كيفية التّعبير عن مشاعرهم وما يدور في خاطرهم، ويقوم الآباء هنا بالحوار مع الأولاد والوصول لنتائج إيجابيّة من خلال هذا النّقاش وتجنّب كافّة المصاعب التي قد تعترض مسيرة الأبناء.