ليلى أمين السيف
ومصروفةٍ عيناهُ عن عيب نفسهِ
ولو بان عيب من أخيه لأبصرا
ولو كان ذا الإنسان يُنصف نفسه
لأمسك عن عيب الصديق وقصرا
لا يوجد إلا قليل ممن لديه شجاعة الاعتراف لنفسه على الأقل أنه ليس بكامل، فكما غيره لديه عيوب فبالتأكيد أنا لا أخلو من عيب ما ولكن يقال أن الجمل ما يشوف حدبته.. وكذلك بعض البشر لا يرى في سواه إلا النقص والعيب والدونية والقلة.
الكلُ ينتقد والكل لا يعجبه العجب.. المرؤوس ينتقد رئيسه والمدير لا يرى في موظفيه إلا التكاسل والدعة، وفلان لا يعجبه ذاك من الناس وتلك تمارس دور الفاهم العارف ولا تنفك تدلي بنصائح لهذه وأما تلك لا يروق لها أحد.. ولا أحد يجرؤ أن يتجول داخل نفسه ويصلح عيبه ومثل هؤلاء الأعلى» عيوبي ما اراها وعيوب الناس أركض وراها.»
والآفة العظمى لأولئك كلهم منتقدو والديهم. تراهم في كل مجلس لا يرون فيما صنع والديهم لهم شيئا فهما انجباهم وعليهما القيام بدورهما كما يجب وإلا فإن سيف النقد جاهز.
أحدهم يقول لم يصنع والداي شيئا لنا ولم يؤمن مستقبلنا..وآخر يغرس سكينه ناحرا مشاعر والديه متذمرا لأنه ذات مرة جُرحت مشاعره.
وتلك لا ترى في أمها إلا عصبيتها وإنفعالاتها ولا يلفتها تعبها واهتمامها بها وبإخوتها وبالبيت ككل.
قبل بضعة أيام كنا معزومين لدى صديقة عزيزة ولديها ولدان صغيران.. وأمضينا وقتا طويلا لديهم ورأى زوجي معاناة الأم منذ بداية النهار حتى أخره.. وعندما عدنا لمنزلنا قال زوجي الله يكتب أجر فلانة.. ثم التفت لي هل كنتِ تعانين مثلها مع أبنائك.. أنا كنت مشغولا عنكِ ولم أكن أعلم كيف ربيتيهم وماذا كانوا يصنعون في غيابي.
قلت له.. الله يعظم أجر الوالدين.. والله يعلي مقام أمهاتنا اللواتي تعبن في تربيتنا وكابدن المشاق لأجلنا.
لقد تعبت وجاهدت كثيرا مع التزامي بعملي وغيابك عن منزلك نتيجة لعملك المرهق..ولكن الأجر من الله إن شاء الله فأنت أيضا أديت دورك بشكل ما وكفيت ووفيت إن شاء الله.
ثم قلت له.. لا أعلم كيف ربتنا أمي ولكنني اتذكر أنها قالت إن أربعة منا اصابتهم الحصبة في يوم واحد.. ولم يكن هناك حفائض أو دور حضانة.. لذا كانت التربية مرهقة لأمهاتنا واباءنا الله يجزاهم عنا خير الجزاء فقد غسلن على أيديهن وكنسن بيوتهن وطبخن وعلمن الأبناء ومعظمهن لم يكونوا متعلمين.
وقد أفلحت أمي في الإمساك بزمام الأمور في تربية تسعة من الأبناء لا يستطيع أحد منا أن يرفع عينيه في عينها او يرفع صوته عليها.
أتذكرها وهي تشتري ملابس المدرسة والمراييل والدفاتر والأقلام والأحذية وكسوتي الشتاء والصيف والأعياد والمصروف اليومي وتموين البيت وتهتم بترتيبه ونظافته ومواعيد طعامنا ونومنا وتتأكد من سلوكياتنا وتربيتنا.
ثم يأتي أحدهم ليقول وهو أب أو وهي أم «أمي وأبي لم يزرعوا فينا حب الإخوة أو الرحم، أو أمي كانت جامدة المشاعر ويقول أحدهم كان أبي لايتحدث معنا كثير»
وهب أن والديك قصروا في جانب ما، وبالتأكيد أنهما سيقصران فهما بشر وككل البشر لديهما مثالب ومحامد ولكنك لاترى فيما صنعوا لك إلا المعايب.
أينك أنت الآن لِمَ لاتقوم بدورك يامن تقرأ كتاب الله وسنة نبيه.؟
أفة العقوق اتهام الوالدين بالتقصير
كان دوما رأيي أن والدينا مهما قصرا في تربيتنا من وجهة نظرنا نحن الأبناء فإنهما لم يقصرا عمدا وقصدا ولكن كان ظنهما أنهما أحسنا التربية ، وسيأتي بالتأكيد من أبنائنا من ينتقدنا أيضا فلا يوجد جيل إلا ويرمي أخطاؤه على غيره.
والداك اللذان أخذا بيدك حتى أوصلاك إلى ما أنت عليه الآن واللذان درأ عنك كل شر واللذان احتملا كل ألم وصبرا وتجرعا كؤوس الخوف والتفكير والارهاق.. تأتي أنت بكل بساطة تنتقد تربيتهما لك!
أنت الذي تحتاج للتربية من جديد كي تعلم حق والديك عليك..
تشتاق لزميلك وتتفقد ابناءك وتتذكر ذكرى ميلاد صديقك ولا تنسى أية مناسبه لأصدقائك ولكنك في خضم هذه المشاغل كلها والمناسبات الاجتماعية العديدة تحتاج لمن يقول لك:
«تفقد أباك.. لا تنس أمك» والله إني لأعجب ممن لا يستشعر إحسان والديه ويراه واجبا منهما ويحاكمهما ان قصرا وفي المقابل نجده أسير إحسان الآخرين.
يكبر الوالدان فتهون عليهما حياتهما على أن يتسولا اهتماما من الأبناء أو يطلبا حاجاتهما ممن كانوا يلبون لهم جميع الاحتياجات من غير طلب أو سبب.
إن استجدى منك والداك اهتمامك وسؤالك عنهما فثق أنك قد أوصلتهما لمرحلة من الذل والخذلان .. والمؤلم أن تصد عنهما ولا تسأل.
وفي زمن الواتس والايمو والمكالمات المجانية عار عليك أن يمر الأسبوع ولم تتفقد والديك أو تسأل عنهما. كيف يطاوعك قلبك فتقاطعهما لأنكما اختلفتما في وجهات النظر؟ لا شيء في هذه الدنيا يستحق عناء التذلل والانكسار بعد خالقك سوى والديك وأما البقية فلهم منا ما يستحقون.
اطربي يانفس عيشي وسوي ماتبين
ما يزيد العمر مدح العباد وذمها
لاكسبتي طاعة الله وبر الوالدين
خلي وساع الحناجر تموت بهمها