أ.د.عثمان بن صالح العامر
أعتقد أن من أصعب الأمور اليوم في ظل مجتمع محلي بسيط فضلاً عن غيره إيجاد نقطة الوسط في الشخصية، وضبط معادلة التوازن الحقيقي في التصرفات والسلوكيات الذاتية، ليس في أمر واحد فقط، بل في جل المواقف ومع كل الأشخاص وبكل الأزمنة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
* التوازن في حياتك بين دنياك وآخرتك، عبادتك لربك من جهة، وضربك في الأرض طلباً للرزق الحلال من جهة أخرى، وصولاً للقناعة التي نسمع عنها وربما من النادر أن نقابل من كان وقّافاً عندها في عالمنا المعاصر.
* التوازن في الإنفاق على النفس والأهل وفي المناسبات الاجتماعية المختلفة بين الإسراف والتقتير.
* التوازن بين الفردية المتمثّلة في الوفاء بمتطلباتك الشخصية، والجماعية التي تلزمك القيام بأعمال عديدة وحضور مناسبات كثيرة حماية للسمعة وخشية من نقد المجتمع، وغالباً ما تكون هذه الممارسات التي تندرج تحت مسمى «الخوف من العيب الاجتماعي» على حساب راحتك وخصوصيتك مجاملة منك للآخرين.
* التوازن بين الوظيفي والأسري، إذ غالباً ما يطغى في حياة البعض اهتمامهم بأعمالهم المنوطة بهم رسمياً، وترك مسؤوليتهم العائلية للآخرين خاصة من هم يتسنمون مناصب قيادية مؤثرة، إذ إن من يدفع الثمن غالباً هم الزوجة والولد.
* التوازن بين الرعاية والتربية للأولاد، إذ إن المشاهد أن كثيرًا منا يولي اهتمامه للرعاية -مادية كانت أو معنوية- على التربية التي هي ما يصنع الفارق الحقيقي بين الأقران.
* التوازن بين القول والعمل.
* التوازن بين المحبة والكره.
* التوازن بين المثالية والواقعية في جميع منظومة حياتك وفي كل مواقفك ومع الجميع.
* التوازن بين القدرات والإمكانيات من جهة، والأمل والطموح من جهة أخرى.
* التوازن بين الانفعال والتعقّل بالمواقف ومع جميع الأشخاص.
* التوازن بين الصمت والكلام، القراءة والاستماع.
* التوازن في النقد بين الشخصنة والنصح رغبة في الإصلاح والتصحيح المجتمعي.
* التوازن بين حب الذات وتلبية رغباتها من جهة، والوفاء للأسرة -خاصة الزوجة- من جهة أخرى.
* التوازن بين الدخل المادي للأسرة والإنفاق الشهري.
* التوازن بين الإحسان للوالدين وتحقيق الخصوصية الزوجية.
* التوازن بين الإنفاق الاستهلاكي من جهة، والادخار المادي وكذا الاستثمار المستقبلي من جهة أخرى.
* التوازن بين التفكير في يومك والتخطيط لمستقبلك ومستقبل عائلتك في شؤونك كلها.
* التوازن بين جلد الذات شخصية أو وطنية أو عربية أو دينية، وإعزاز الذات والمبالغة في تبجيلها.
* التوازن بين التقليل من شأن العدو عدداً وعدةً والمبالغة فيه قوة وقدرة.
* التوازن بين رغبة الوصول الإداري والحضور الاجتماعي أياً كان هذا الوصول أو الحضور، وواجب احترام وجود الآخرين من حولك ممن تعتقد منافستهم لك وعدم الإساءة لهم بأي وجه من الوجوه.
* التوازن بين متابعتك لما يدور حولك والتفكير الطويل فيه والتحدث عنه مع الكل وفي جميع الأحوال والمناسبات مع أنه ليس موكلاً لك أمره ولا هو في دائرة مسؤولياتك الوظيفية، والاهتمام الحقيقي بما هو في دائرة مهامك ومسؤولياتك الوظيفية والمجتمعية.
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير مما يجعلنا أمام أزمة فعلية يمكن أن ننعتها بأزمة «توازن الشخصية» جراء أسباب عديدة تراكمت طوال سنوات التكوين المديدة، لا يهمنا هنا ما هي، ولكن المهم في نظري أولاً إدراك أننا بالفعل إزاء مشكلة حقيقة لا بد أن نبحث لها عن حل جذري يتوافق مع تطلعات ومتطلبات المرحلة التي نعيشها اليوم، ومع أن الحلول عديدة ومتنوعة كتب فيها أهل الاختصاص في أكثر من موضع فإن الأمر الأساس في نظري هو وجود الإرادة وامتلاك العزيمة في ظل سيادة الشفافية والمصداقية والصراحة والوضوح مع الله أولاً ثم مع النفس ثانياً والآخرين ثالثاً ورابعاً وخامساً حتى نعيش بسلام وترفرف في بيوتنا رايات السعادة والمودة والوئام، وإلى لقاء، والسلام.