م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الرواية ما هي إلا حكاية صغيرة عن حدث يحصل مثله كل يوم.. يتناقلها العامة ببساطة ويمكن أن يكتبها كاتب قليل الموهبة فتضيع مع ملايين الصفحات التي تكتب كل يوم.. لكن حينما يتناولها كاتب موهوب فإنها تتحول إلى عمل أدبي خالد.
2 - يقول (جورج أورويل): تأليف رواية هو صراع رهيب ومرهق.. كما لو كان نوبة طويلة من مرض مؤلم.. ومع هذا يصر الكاتب على الاستمرار في الكتابة وكأنه مدفوع بشيطان لا يمكن له مقاومته ولا فهمه.. وحينما ينتهي من كتابته يكتشف أن الفكرة التي في ذهنه أعمق وأجمل من تلك التي نفذها على الورق.. فيشعر بالأسى والألم من جديد.. وينتابه شعور بالإحباط حينما يدرك أنه كان بإمكانه أن يكتب الحكاية بأفضل مما فعل.. وأن الكاتب يكتب كأفضل ما يكون كلما كتب بغاية الإبداع وحده وابتعد عن القصد السياسي.
3 - يقول (ألبرتو مورافيا): الكاتب يبدع أكثر حينما يكون أكثر تعاسة.. لذلك فهو يسعد بتعاسته!
4 - يقول أحد الكتاب: حينما نملك حلاً أو إجابة لمسألة أو مشكلة فإننا نكتب بحثاً أو مقالة.. لكن حينما نعيش مشكلة لا نعرف لها حلاً أو إجابة فإننا نكتب رواية.. فالموت مثلاً ذلك الحدث الغامض المجهول كيف تكتب عنه بحثاً؟ لكنك بكل تأكيد تستطيع أن تكتب عنه رواية.. وكذلك الحال بالنسبة للحب والسعادة وكل الأشياء المطلقة في حياة الإنسان.
5 - يصف الروائي التركي (أورهان باموق) الروائي المبدع بقوله: «أن تكون روائياً فذلك يعني الإبداع في أن تكون ساذجاً وحساساً في الوقت نفسه).. ويقصد (بالسذاجة) أن يكتب الروائي بتلقائية بلا وعي للعمليات والحسابات والأساليب المستخدمة.. ولا يعرض كتابته للتحليل المخبري.. فهو يكتب بعفوية ولا يشغل نفسه بالقياسات الفنية للكتابة.. ويقصد (بالحساس) الروائي الذي يولي جُلّ الاهتمام بأساليب الكتابة.. ويحرص على معرفة الطرق التي تعمل بها عقول القراء ليتبعها في الكتابة.. بمعنى أن (باموق) يرى أن الروائي المبدع هو الذي يكتب بمهنية وفي ذات الوقت يتبع في كتاباته حدسه لا قوانين الكتابة.
6 - الكاتب حينما يكتب يكون واقعاً تحت تأثير البداية.. وهي مرحلة خلق النص.. هذه المرحلة هي مرحلة السذاجة العفوية التي أملتها اللحظة.. ويمارسها الكاتب بلا تفكير تقريباً.. فقط يكتب ما يرد على خاطرة تلك اللحظة.. ثم تتلوها مرحلة الكتابة الثانية التي تنحسر فيها العفوية وتبدأ معها مهنية وحرفية الكتابة حيث الفحص والنقد والتعديل والتصحيح والحذف والإضافة والترتيب.. وتثار خلالها أسئلة قد تقلب العمل كله رأساً على عقب.. وتكون عن مناسبة ما كتب.. وعن جودته.. وهل وُظِّفت الحوارات فيه بشكل مناسب.. وهل الوصف المصاحب للأحداث طويل أم مبتسر.. وأخيراً هل أوصل الفكرة إلى القارئ أم لا؟ هذه المرحلة هي مرحلة الشك والحساسية تجاه ما كتب.. وما سوف تُنْقد به الرواية بعد نشرها.. المشكلة في هذه المرحلة أنها قد تحول النص من نص تلقائي حار مبدع إلى نص ميكانيكي بارد مصنوع.
7 - كاتب الرواية فيما مضى كان يكتب محكوماً بمحددات الشخصيات والمكان والزمان وحبكة القصة.. لكن كاتب الرواية اليوم يكتب وفق محددات أخرى - كما يرى (ستيفن كنج) - وهي (السرد) وتعني مسار القصة من نقطة إلى أخرى.. و(الوصف) الذي يعطي الأشخاص والمكان والزمان والأحداث حساً بشرياً يصنع الصورة.. وأخيراً (الحوار) وهو الذي يبعث الحياة في شخصيات الرواية.. فهو يرى أن الرواية لا تُصْنع في ذهن الكاتب أولاً.. بل هي تُخْلق أثناء كتابة الرواية.
8 - إذا كانت (الحبكة) هي أحد الأعمدة المهمة التي لا تقوم الرواية إلا بها لدى بعض الروائيين فهي لدى آخرين لا تزيد على ملاذ أخير للكاتب الضعيف.. وإذا كانت شخصيات الرواية هي المحاور التي تقوم عليها الرواية عند بعض الكتاب.. إلى درجة أن كاتباً مثل نجيب محفوظ كان يصنع ملفاً خاصاً لكل شخصية من شخصيات رواياته حتى لا تحيد عن مسارها المرسوم.. نجد أن هذه الشخصيات بالنسبة لكتاب آخرين مجرد خيالات تتحرك في الرواية.. وقد تختلف سماتها وطبائعها في أول الرواية عن صفاتها وطبائعها آخر الرواية.