حسن اليمني
سداد المخالفة المرورية هو إلزام وطني لضبط جودة الحياة في المجتمع، وكل مخالفة مرورية هي في الحقيقة اعتداء على أمن وسلامة المجتمع، ومن هنا تصبح المخالفة عقوبة وطنية تلزم المخالف كجزاء رادع لخروجه عن رتم المسار الاجتماعي، هذا أمر يفترض أنه مفهوم للجميع، ولكن طريقة المعالجة للمخالفة المرورية تستحق أيضاً تمعنا وتدقيقا حتى لا تكون هي أيضاً مخالفة تطبيقية لا تساعد في تقليص أسباب وقوع المخالفة، الاكتفاء بالمعاقبة للمعاقبة سيبقي المخالفة تستمر ويستمر العقاب في حلقة مفرغة، ولأنه لا يوجد منطق لإلغاء المخالفات فإن الهدف تقليصها.
بعد التطبيق الجديد في وقف الحساب البنكي للمخالف حتى يتم السداد ظهرت حالات غير طبيعية من نوع قيمة المخالفة المالية وتراكم المخالفات حتى بلغت أرقاما ربما تتجاوز دخل المواطن لمدة عام وأكثر، على سبيل المثال مواطن تراكمت عليه المخالفات حتى تجاوزت مائة ألف ريال فمن هو المسؤول عن تمدد هذا الرصيد الكمي للمخالفات، وهل كانت هناك وسائل لوقف هذا التمدد والتراكم بحيث تجاوزت القدرة والملاءة المالية؟
في الواقع نعم كان يمكن وضع حد أعلى لقيمة المخالفات بحيث تعطي حلولا أنجع وأسهل وأكثر مرونة وتنسجم مع المنطق الطبيعي لمعالجة مشكلة متكررة ومستمرة ناشئة في أغلب الأحيان خارج الإرادة، تراكمها يزيد من تجاهلها ولا يلغيها، وهو ما رأيناه في بعض حالات تدعو للدهشة والاستغراب، كحال الذي تراكمت عليه المخالفات حتى بلغت أرقاما تفوق المائة ألف ريال ويلزمه النظام المروري الجديد بالسداد الفوري مع مهلة ثلاثين يوما في حال قدم التماسا لذلك، لا أعتقد أن هذه أفضل الحلول أو المعالجات، ذلك أنها تنشئ مشاكل اجتماعية أخرى، كي أسدد مخالفات بمائة ألف ريال فيتوجب علي أن أتأخر في سداد إيجار السكن وربما تقليص المصروف العائلي وتجاهل فواتير بعض الخدمات.
ليس المطلوب تقسيط سداد المخالفات وإنما وضع حد مالي للمخالفات بحيث لا تتجاوز 30 % بالمائة من متوسط دخل المواطنين ولنفترض أنه 7 آلاف ريال فيكون الحد 2100 ريال وعندها تسحب رخصة السواقة وحتى تسحب المركبة إلى أن يتم السداد، وهنا سعينا فعلاً لردع تكرار المخالفة بعقاب تأديبي يعطي نظم السير أهميتها ولا يراكم الأعباء المالية على المخالف بما يمس شؤون حياته وحياة أسرته، وهو أمر معمول به في كثير من أنحاء العالم باعتباره عقابا مفيدا ومعالجا، فهو يحفظ لنظم المرور أهميتها وضرورة الالتزام بها وفي الوقت ذاته لا يتجاوز القدرة المالية ويعطي للمخالف مجالا أوسعا للتفكير في معالجة سلوكه المعيشي وإعادة ترتيب أولوياته، وحتى يساعد وينمي عملية استخدام وسائل المواصلات العامة ويشجعها في المجتمع بما يساعد في معالجة اكتظاظ وزحام المرور ويخلق سلوكا اجتماعيا أكثر تمدنا، بل إن مثل هذا التوجه قادر على نفض رتم المجتمع وإعادة صياغته بشكل جماعي باتجاه الخروج من تكلس الرتم والطبع الاجتماعي المرفه تمثيلاً أكثر من الحقيقة بما يعيد له حيويته ويخرج بواطن مزاياه الجيدة.
جهاز المرور هو المسؤول الأول عن تراكم أرصدة المخالفات نتيجة عدم ضبط حد أعلى لعقاب تربوي يساعد في تقليص أسباب وقوع المخالفة من الأصل، بدليل تكرار المخالفات وتراكم أرصدتها حتى وصلت أرقاماً يستحيل على البعض الوفاء بها.
كما أن نافذة الاعتراض على المخالفات المرورية الحالي ليس الخيار الأمثل، ذلك أن التحكيم هنا يجب أن يتوسع ليصل الحركة الاجتماعية والحال الإنسانية وهي أمور لا يختص بها جهاز المرور كجهاز تنفيذي، وبما أن لدينا محاكم مرورية تابعة لوزارة العدل مختصة حتى الآن بتحقيق الحوادث فلماذا لا يناط بها أيضاً حق الاعتراض على المخالفات بدلاً من جهاز المرور منشئ المخالفة أصلاً، وحتى يمكن أن تكون مرحلة ثانية يجوز للمعترض الانتقال منها إلى محاكم وزارة العدل.
أخيراً ما الحل في الوضع الحالي أمام من تراكمت عليه المخالفات بمبالغ تفوق دخله السنوي، وما هو العلاج لهذه الحالات وكيف نتجاوز ما قد تسببه من مشاكل وأضرار على أفراد وقعوا ضحية طيشهم وإهمالهم، المنطق السليم هو معالجة أسباب الخطأ وزرع تلافيه في وعي المخطئ بطرق تساعده بدل من أن تدخله في متاهات أخرى تحرفه في النهاية عن الطريق الصحيح، أعتقد أننا نحتاج إلى إعادة نظر من جهاز المرور لترقية المعالجات والحلول بشكل يتناسب وتوجه مسار بلادنا نحو الرقي.
• بفضل الله ليس لدي مخالفة مرورية وإنما أنقل معاناة كثيرين وقعوا ضحية أنفسهم.