د. تنيضب الفايدي
تميزت مكة المكرمة بمكانة عظيمة في نفوس المسلمين جميعاً عن غيرها من المدن الأخرى، وتوفر لها حظ عظيم من زيارات المسلمين لها لأداء الفريضة والتشرّف بكعبتها المقدسة وأرضها الطاهرة، كما توفر لها الحبّ والعطف والحنان في قلوب المسلمين حتى إن الإنسان عندما يودعها مفارقاً، يدعو الله من أعماق قلبه أن يعود إليها، كما أنه لا يفارقها إلا وفي نيته الرجوع والعودة إليها؛ لأنه يشعر بأن روحه قد اكتسبت الطهر والنبل، وارتفعت إلى آفاق عالية وانزاحت عنها الغيوم والأكدار، وأصبحت أسمى قدراً وأعلى مكاناً.
كما أن مكة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ولد فيها ونشأ وترعرع على أرضها وتنفس هواءها، فحبّه صلى الله عليه وسلم لترابها شيءٌ فطري، انظر ماذا قال عند فراقها: ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليَّ ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك» رواه الترمذي؛ كلّ كلمة تظهر عن حبّ عميق وتعلّق كبير بجبالها وصخورها ووديانها ورمالها.
فكثيراً من الأماكن في مكة المكرمة تحمل تاريخاً حافلاً بجزء من سيرته صلى الله عليه وسلم، حيث مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وأصحابه ملبين داعين قبل أربعة عشر قرناً، فهذه الأماكن ترتبط معها حوادث تاريخية عظيمة، ولابدّ للأجيال أن يعرف تلك الأماكن، ويعرف تاريخها وما يرتبط بها من حوادث ووقائع تاريخية. ومن تلك الأماكن:
الحزورة:
جمعها حزاور، وهي الرابية الصغيرة. قال الأزرقي في أخبار مكة (2-296): « كانت سوق مكة، ثم دخلت في المسجد الحرام، وقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال: يا بطحاء مكة! ما أطيبك من بلدة وأحبّك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. قال أحد بني جرهم:
بدأها قوم أشحّاء أشدّةٌ
على ما بهم يشرونها بالحزاور
وقال الغنوي:
يوم ابن جدعان بجنب الحزورة
كأنه قيصر أو ذو الدسكرة
قال أحد المؤرخين في كتابه أودية مكة المكرمة (ص105): «وظهر لي أن الحزورة هي ما يعرف اليوم بسوق القشاشية، وهي الرابية التي تقابل منتصف المسعى من الشرق، وفيها بيت خديجة أم المؤمنين، ومولد فاطمة رضي الله عنهما، والرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة من أعلاه، فلا يتوقع أن يخرج إلى أسفلها.
ومن الجميل أن يطلق اسم سوق حزورة على أقرب سوق للمسجد الحرام، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حبٍّ لها.
جبل خندمة:
تكتنف مكة المكرمة مجموعة من الجبال تتشكل من تلك الجبال عدة أودية وتجتمع في وادٍ واحد ومن تلك الجبال جبل خندمة: وهي سلسلة جبلية تقع في شرق وجنوب شرق المسجد الحرام، وتتصل بجبل أبي قبيس ويصل ارتفاعها إلى نحو 589م، ويشكل جزءاًً من ذاكرة تاريخ البلد الحرام وتتصل به مجموعة من الجبال تتجه جنوباً وتسمّى جبال الخندمة أو الخنادم وتمتد جنوباً حتى تقترب من جبل ثور، وهي جبال يميل لونها إلى السمرة وفي بعضها جدد بيض، وفي داخلها مجاهل وسلاقيط يصعب التنقل فيها، أما شمالها فيشرف على الأبطح والحجون ولا يكاد يعرف عامة الناس منها إلا هذا الجانب، وهو الجانب المأهول عليه كثيرٌ من أحياء مكة، وجبل الخندمة حالياً امتدت إليه التوسعة الحالية وكان الكاتب يعتقد بأن اسم جبل خندمة أو الخندمة تسمية حديثة بينما كان معروفاً قديماً ضمن سلسلة جبال تبدأ من شِعب عامر قرب المسجد الحرام وتشرق، حيث جبل خندمة المشهور حالياً، ويوم فتح مكة قد دخلت قوات المسلمين من جهاتها الأربع في آن واحد، ولم تلق تلك القوات أي مقاومة إلا ما كان من المنطقة التي توجه إليها خالد، فقد تجمع متطرّفو قريش ومنهم صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو وغيرهم مع بعض حلفائهم في الخندمة، ولكن سرعان ما قضى المسلمون على تلك القوة الضعيفة.
يقول الحموي: «خندمة بفتح أوله: جبل بمكة، ثم ذكر قصة حماس بن قيس، وقال بديل بن عبد مناة بن أم أصرم يخاطب أنس بن زنيم الديلي:
بكى أنسٌ رزْنا، فأعوَله البُكا
فالاً عدياً إذ تُطَلُّ وتُبْعَدُ
أصابهم يوم الخنادم فتيةٌ
كرامٌ، فسل، منهم نُفيل ومعبَدُ
هنالك، إن تسفح دموعُك، لا تُلَمْ
عليهم، وإن لم تدمع العينُ تكمدُ
ولا بدّ من تذكير أبنائنا وبناتنا بأسماء جبال مكة وما يرتبط بها من السيرة النبوية العطرة وما يوجد بتلك الجبال من كهوف وغيرها مثل غار حراء وعلاقته بالوحي، وغار ثور وعلاقته بهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكون ذلك حياً وباستمرار لارتباط تلك الجبال بالقرآن الكريم وبالسيرة النبوية.
كداء:
الموضع الذي يستحب للمحرم دخول مكة منه، وهو الثنية التي تهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالمعلاة والأبطح. وسهل بعض المجاورين طريقاً فيها غير الطريق المعتادة، ووسعها بعد أن كانت حزنة ضيقة، وصار الناس يسلكونها أكثر من الأولى، وذلك في النصف الثاني من سنة سبع عشرة وثمانمائة.
كدىً:
الموضع الذي يستحب الخروج منه لمن كان في طريقه، وهو الثنية التي بنى عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة. وإنما استحب الدخول من كَداء -ثنية المقبرة- والخروج من كدى، التي إلى جهة المدينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع.
كَداء وكُدي:
لمكة المشرفة عدة مداخل، حيث دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة من الجهات الأربعة، ولكن اشتهر منها كَداء وكُدي، حيث أن كداء ثنية بمكة يخرج منها الطريق من الحرم إلى جرول، تفصل بين نهاية قعيقعان في الجنوب الغربي وجبل الكعبة، وأما كُدَىّ مصغراً: فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن وكداء تعرف بثنية الحجون. قال صاحب كتاب مشارق الأنوار: «كَدَاءُ وكُدَيّ وكُدىً، وكَداءُ، ممدود غير مصروف بفتح أوله، بأعلى مكة، وكُدَىً: جبل قرب مكة».
ويطلق على كدَاء التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم العقبة الصغرى التي بأعلى مكة وهي التي تهبط منها إلى الأبطح والمقبرة منها عن يسارك، وكُدىً أو كدي التي يخرج منها من بمكة هي العقبة الوسطى التي بأسفل مكة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة أثناء الفتح من كَدَاء التي بأعلى مكة، وفي حديث ابن عمر: دخل في الحج من كداء، من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى، وفي حديث عائشة: أنه دخل من كداء من أعلى مكة. وكُدى وكُدي وكلاهما بضم الكاف، بأسفل مكة عند ذي طوى عند قعيقعان جبل بأسفل مكة.
ومع وجود مسافة بين كداء وكُدي حيث أن كداء شمالها –أي: شمال مكة – وكُدي جنوبها إلا أن اسميهما يذكران معاً، سواءً عند البحث عن معلومات عنهما أو حتى في الشعر، فهذا شاعرٌ ضاع قلبه في مكة يقول:
كانَ لي قلبٌ بِجَرْعَاءِ الحِمَى
ضَاعَ منِّي هَلْ له ردٌّ علَيْ
فاعْهَدُوا بطْحَاءَ وَادِي سَلَمٍ
فَهْيَ ما بيْنَ كَدَاءٍ وكُدَيْ
يقول البلادي بعد ذكر أقوال المؤرخين: « كثر الاختلاف في الرواية السابقة، وخلاصة القول الصواب إن شاء الله هو: كَدَاء بالفتح والمد الثنية التي تهبط على البطحاء من الشمال الغربي فوق المسجد الحرام مما يلي الشمال الشرقي، وفيها مقبرة المعلاة، وتعرف هذه الثنية اليوم بريع الحجون، تفضي مما يلي المدينة إلى صدر ذي طوى في المكان المعروف اليوم بحي العتيبية، وهي بين جبل قعيقعان وجبل أذاخر في آخر امتداده الغربي وربما سمي هناك جبل الحجون.
أجياد:
أجياد: حي من أحياء مكة معروف لأهل مكة المكرمة، بل ولمن حجّ و اعتمر ومكث بها، يقع في الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية للمسجد الحرام، تحصره مجموعة من الجبال، منها جبل أبي قبيس وجبل خليفة أو جبل أجياد، وقد سمي هذا الحيّ بأجياد قديماً قيل: لأن في ذلك الموضع سخر الله سبحانه تعالى جياد الخيل لإسماعيل عليه السلام، ورويَ أن العرب تجمع الجواد من الخيل على أجياد، فقد جاء أن المحل إنما سمي بأجياد؛ لأن مضاض بن عمرو الجرهمي ضرب فيه أجياد مائة رجل من العمالقة. وقيل: إنما نسبت إلى أجياد الظباء، أي: أعناقها، والتي يضرب بها المثل في الحسن والجمال وفتنة التلفت، وقد كانت الظباء منتشرة ترعى في هذا الموضع، فلما اتصل بها العمران هجرته. وكان أجياد يطلق على شعبين كبيرين من شعاب مكة، يأتي أحدهما من الجنوب، والآخر يأتي من الشرق من جبل الأعراف، ثم يجتمعان أمام المسجد الحرام من الجنوب فيدفعان في وادي إبراهيم، وقد أصبحا اليوم مأهولين بأحياء عديدة من أحياء مكة، أشهرها: بير بليلة، والمصافي، وأزيلت بعض مباني حي أجياد لتوسعة المسجد الحرام. وقد ورد أجياد في الأدب كثيراً، يقول الحموي: «ذكره في الشعر كثير». قال الأعشى ميمون بن قيس وهو يذكر حي أجياد:
فما أنت من أهل الحُجُون ولا الصفا
ولا لك حق الشرب من ماء زمزم
وما جعل الرحمنُ بيتَك في العُلا
بأجيادِ غربيّ الصفا والمحرَّم
وقال عمر بن أبي ربيعة:
هيهات من أمة الوهاب منزلنا
لما نزلنا بسيف البحر من عدن
وحلّ أهلُك أجياداً فليس لنا
إلا التَّذكُّر، أو حظّ من الحزن
وقد تكرر ذكر أجياد كثيراً في كتب المتقدمين وأشعارهم، قال بشر بن أبي حازم:
حلفت برب الداميات نحورها
وما ضمّ أجياد المصلّى ومذهبُ
لئن شبت الحربُ العوانُ التي أرى
وقد طال إبعاد بها وترهبُ
لتحتملنْ بالليل منكم ظعينةٌ
إلى غير موثوق من العز تهربُ
ومن المعالم الأثرية التي احتضنتها منطقة أجياد والتي ورد ذكرها في ثنايا المصادر القديمة، مسجد منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له المتكأ أو المتكى، قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم نزله واتكأ عليه.
ومن المعلم التي اشتهرت بها منطقة أجياد ( قلعة أجياد ) التي أنشأها الشريف مساعد بن سرور سنة 1196هـ-1781م في أعلى جبل خليفة أو جبل أجياد، المشرف على أجياد الكبير، وهو الجبل الذي صعد إليه المشركون يوم فتح مكة ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد هدمت قلعة أجياد وتم بناء برج ساعة مكة الملكي في مكانها. وهو وقف للملك عبد العزيز آل سعود على المسجد الحرام.
ومع المشاريع الكبيرة التي قامت بها الدولة لراحة الحجاج والمعتمرين فقد غيرت كثيراً من معالم هذا الحي ودخلت في ساحات الحرم المكي الشريف.
وكلما تذكّر الكاتب أجياد يتذكّر أنّ بالقرب منه موقعاً قريباً إلى النفس، حبيبٌ إلى القلب، ذلك هو مكانُ ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكم عشقتُ مكة وكتبتُ عنها وعن مواقع متعددة لها علاقة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلّما كتبتُ عن هذه الحبيبة ازددتُ هياماً بها:
فغَرَامِي القَدِيْمُ فِيكُمْ غَرَامِي
وَوِدَادِي كما عَهِدْتُمْ وِدَادِي
قَدْ سَكَنْتُمْ مِنَ الفُؤَادِ سُوَيْدَا
هُ وَمِنْ مُقْلَتِي سَواءَ السَّوادِ
يا سَمِيرِيَ رَوِّحْ بمكّةَ رُوْحِي
شَادِياً إِنْ رَغِبْتَ في إِسْعَادِي
الثنية السفلى:
ثنية كدى التي تهبط على ذي طوى في مكة، روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كُداء من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى». وهي ثنية كُدَى.
الثنية العليا:
ثنية كداء (ريع الحجون) في مكة، روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى. وفيه أيضاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء من الثنية العلياء التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى.
قال ابن حجر: هذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها الحجون وكانت صعبة المرتقى، فسهلها معاوية ثم عبدالملك ثم المهدي.
قال البلادي: «وفي عام 832هـ أصلح طريقها الملك المؤيد فظلت على ذلك إلى عام 1340هـ حيث خرقت الحكومة الهاشمية الثنية وأصلحت طريقها ولما كثرت السيارات في العهد السعودي نجرت أكثر فعبدت وبنيت ضفائر جديدة على جانبي الطريق وتسمى اليوم ريع الحجون».
الحجون:
اختلف المؤرِّخون في تعيين الحجون، والصحيح أن الحجون هو الجبل الذي يمتد من ريع الحجون -المعروف اليوم شمال المسجد الحرام- إلى جبل أذاخر و به ثنية أذاخر ومنها إلى الثنية التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، و تقع مقبرة أهل مكة القديمة بسفح جبل الحجون من الجنوب الغربي، وفي هذه المقبرة قبر خديجة رضي الله عنها. والحجون بالنون في آخره، هو النطق الصحيح فجميع علماء اللغة مجمعون على أن آخره بالنون حيث ذكر ذلك في بعض المعاجم، منها معجم البلدان لياقوت الحموي حيث يقول: «الحجون آخره نون، والحجن الاعوجاج، والحجون جبل بأعلى مكة عند مدافن أهلها». ولا يخلو منه كتابٌ يتناول تاريخ مكة.
وقد جاء الحجون في الحديث الذي رواه البخاري فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترحّل وادّهن ولبس إزاره رداءه وأصحابه... قال: فقدم مكة لأربع ليان خلون من ذي الحجة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحلّ من أجل بدنه لأنه قلّدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون.
وروى بسنده أيضاً عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر حدّث أنه كان يسمع أسماء تقول: كلّما مرّت بالحجون: صلى الله على محمد لقد نزلنا معه ههنا ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة.
قال ابن حجر: « كداء، وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها: (الحجون).
كما جاء ذكر الحجون في الحديث عن دخول مكة يوم الفتح فعن عمرو بن شرحبيل عن أهله، قالوا: دخل -والله- سعد بلوائه حتى غرزه بالحجون.. قال: وأقبل الزبير بن العوام بمن معه من المسلمين حتى انتهى بهم إلى الحجون فغرز الراية عند منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبي جعفر قال: كان أبو رافع قد ضرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة بالحجون من أدم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى القبة، ومعه أم سلمة وميمونة.
وعن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً بالحجون في الفتح ويأتي لكل صلاة.
واشتهر الحجون مثل شهرة أجياد في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام، وارتبط بذكر مكة قديماً، حيث ذكر عددٌ من الشعراء في أشعارهم، قال الشاعر عمرو بن الحارث بن مُضَاض الجُرْهُمِي يتشوق إلى مكة، والأبيات من أجمل ما قيل في مكة، وقد حفظ أغلبها كشواهد تشوّقاً للماضي وذكرياته:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربع واسطا وجنوبه
إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
وعندما يتناول الكاتب تلك المواقع المذكورة وغيرها فإنما يهدف ذلك إلى بقاء هذه الأسماء وتداولها بين الأجيال الحالية ونقله مع غيره إلى الأجيال في المستقبل؛ لأنه من المعالم التاريخية المتعلقة بتاريخ مكة -شرفها الله-. ولو اختفت بعض الكلمات التي تدلّ على تاريخ مكة مثل الحجون وأجياد فإن ذلك مدعاةٌ لضياع معالم عزيزة إلى النفس ترتبط بمكة المشرّفة، ونسيان اسم الحي أو الحارة أو الشارع المتعلق بمكة المكرمة ليس كغيره في مواقع أخرى، ومكة القديمة قد أصبحت هي المسجد الحرام بعد التوسعة الأخيرة، لذا فإن الأحياء التاريخية قد اختفت، لكن على محبي مكة الاحتفاظ بتلك الأسماء، ولاسيما الحجون وأجياد والحزورة وكدا وكدي وإطلاق تلك الأسماء على مواقع قريبة منها للذكرى.
بعض المراجع: البداية والنهاية لابن كثير، معجم البلدان للحموي، الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة للفاسي، شفاء الغرام للفاسي، إفادة الأنام للغازي، منائح الكرم للسنجاري، مكة المكرمة في شذرات الذهب للغزاوي، أخبار مكة للأزرقي، معجم الأمكنة لابن جنيدل، صيد الذاكرة للدكتور تنيضب الفايدي، قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم السياسية والعسكرية لأحمد راتب، معجم معالم الحجاز للبلادي.