د. غالب محمد طه
في خطوة غير مسبوقة، أطلقت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي خطة موسم العمرة لعام 1446هـ، التي تُعَدّ الأضخم في تاريخها. تهدف هذه الخطة إلى إثراء تجربة المعتمرين والزوار من خلال مجموعة متنوعة من المبادرات والبرامج الدينية والعلمية التي تستمر طوال موسم العمرة، وتستهدف تلبية الاحتياجات الروحية والنفسية للمسلمين من جميع أنحاء العالم، وتوفير بيئة روحانية تعزز تجربتهم الإيمانية. أشار الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، إلى أن الخطة تهدف إلى تعزيز تجربة المعتمر من خلال تقديم خدمات متكاملة وتنسيق وثيق مع الجهات الحكومية وشركاء النجاح، تشمل الخطة التشغيلية فترة تمتد لتسعة أشهر مُقسمة إلى ثلاث مراحل، تنتهي بنهاية شهر شعبان، تليها فترة الاستعداد لشهر رمضان المبارك. تسعى الخطة إلى تقديم تجربة متكاملة للمعتمرين من خلال مبادرات متنوعة تشمل الدروس العلمية والإرشادية، وزيادة حلقات تعليم القرآن الكريم، وإطلاق معارض دينية إثرائية. كما تشمل تدشين أكبر برنامج للإهداءات الدينية واستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقمنة لتطوير البرامج والتطبيقات الإلكترونية، مما يعكس الرؤية الشاملة للرئاسة في تقديم أفضل الخدمات للمعتمرين والزوار. تسعى الرئاسة من خلال خطتها إلى تعزيز العمل التطوعي كجزء أساسي من خدمات الحرمين الشريفين. تهدف الخطة إلى تحويل الحرمين الشريفين إلى أكبر مجتمعين تطوعيين على مستوى العالم، معتمدةً على قدرات الشباب والفتيات في المملكة على خدمة ضيوف الرحمن وتعزيز قيم التضامن والتكافل الاجتماعي.
تتضمن الخطة توزيع مليون مصحف في المسجد الحرام والمسجد النبوي، إلى جانب تنظيم حلقات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم بإشراف مجموعة من المدرسين المؤهلين. تهدف هذه المبادرات إلى تعزيز الروح الإيمانية للمعتمرين والزوار وتوفير بيئة مريحة وملائمة لأداء مناسك العمرة بيسر وسهولة. تساهم هذه الخدمات في تمكين المسلمين من الاستفادة القصوى من زيارتهم للأماكن المقدسة، وتعزيز علاقتهم بالقرآن الكريم. تجسد هذه الخطة الطموحة لرئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي لموسم العمرة 1446هـ رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز تجربة الحجاج والمعتمرين من خلال تحسين جودة الخدمات المقدمة. تعكس المبادرات والبرامج التزام المملكة بتحقيق التميز في خدمة ضيوف الرحمن وتعزيز مكانة الحرمين الشريفين كوجهة دينية عالمية بارزة.
إن تلبية احتياجات المسلمين الروحية والنفسية تعزز من تجربتهم الإيمانية وتجعل من زيارتهم للأماكن المقدسة تجربة لا تُنسى. ولعل من أبرز ما يجدر الإشارة إليه بعد تغيير الكسوة القديمة بكسوة جديدة هو تاريخ كسوة الكعبة وأوائل من قاموا بتعظيم البيت الحرام، عبر العصور. يُنسب إلى سيِّدنا إسماعيل -عليه السلام- بأنه أول من جعل كسوة للكعبة باستخدام جلود الحيوانات، ثم جاء تبع اليماني ليُكسي الكعبة بكسوة كاملة من الأنطاع والوصائل، مُضِيفًا لها بابًا ومُسَدِلًا إياها. وفي فترة لاحقة، قام عدنان، الجد الأكبر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بكسوة الكعبة ببرود يمانية جزئية، وكانت نتيلة بنت جناب أول امرأة تساهم في كسوة الكعبة. بعد فتح مكة، استبدل النبي صلى الله عليه وسلم كسوة قريش بكسوة جديدة، وفي عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كُسيت الكعبة بالقباطي، ثم قام سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بكسوتها بالبرود اليمانية والقباطي. في العصر العباسي، بدأت الكسوة باللون الأسود تحت الخليفة الناصر العباسي. تعكس هذه الروايات العناية المستمرة بالكعبة المشرّفة وتعظيمها عبر العصور، مما يبرز التزام الأمة الإسلامية بخدمة هذا المعلم الديني العظيم. وقد حظي العهد السعودي في العصر الحديث بتشييد مصنع خاص بصناعة الكسوة الشريفة، حيث جلب له أبرع الفنيين والعمال المهرة لتلبية احتياجات الكعبة المشرفة. وقد كان لهذا المصنع دور كبير في تطوير صناعة الكسوة، مما ساهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. وفي عام 1382 هـ صدر مرسوم ملكي بتجديد المصنع، واستمر في إنتاج الكسوة حتى عام 1977م. وقد افتتح الملك عبد العزيز مقرًّا جديدًا في أم الجود، الذي كان يعكس أحدث التطورات العلمية والفنية في مجال صناعة الكسوة، وساهم في مواكبة المتطلبات المتزايدة لخدمة ضيوف الرحمن.
إن خطة العمرة لعام 1446هـ وما تُمثله من تجسيد لمستوى عالٍ من الخدمة والإبداع تعزز من تجربة المعتمرين، وتُعبر عن التفاني في خدمة الدين والمجتمع، وتأكيد الالتزام برؤية المملكة 2030 في تعزيز مكانة الحرمين الشريفين كوجهة دينية عالمية.