د. غالب محمد طه
«فإنيّ قد أذن لي في الخروج».
فقال أبوبكر، وقلبه يكاد ينخلع من اللهفة: الصحبة، بأبي أنت يا رسول الله؟
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «نعم».
هنا لم يستطع أبوبكر رضي الله عنه أن يتمالك نفسه من شدة الفرح، فبكى!
يا الله! تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فلم أكن أدري أن أحدًا يبكي من شدة الفرح حتى رأيت أبابكر يبكي. فبكى من شدة الفرح.
أي رجل كان أبابكر؟ الرجل الميزان الذي بفضله استعدلت الكفة يوم وفاة خير البشر، وقف كالطود ثباتًا وقوة، شامخًا مهيبًا وكأنه ليس بذلك الرجل الذي يعرف، ولكنه ثبات يليق بخير أمته بعد نبيها.
اجلس يا عمر!
قالها الصديق بحزم مدهش وقلبه يتمزق: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها. قال: ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وفي براعة ولباقة وتوفيق قرأ الآية الكريمة: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران: 144).
لحظة.. فلنترك أبابكر يتحدث عن تلك اللحظات القاسية يوم الهجرة وهما في الغار: يحكي أبوبكر رضي الله عنه تفاصيل هذا الموقف فيقول: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «ما ظنك، يا أبابكر باثنين الله ثالثهما؟» يا لها من محبة خالصة وإشفاق وإيثار، بابي أنت وأمي يا رسول الله وصاحبك.
إنه أبوبكر، الرجل الذي رباه الإسلام وتشبع من دوحة نبيه المباركة وصقلته التجارب. فالصديق نموذج بارزاً لخلاصات دروس الهجرة النبوية الشريفة التي مزجت فيه الصبر والثبات ومواجهة المحن بإيمان راسخ. هو نتاج بازخ لتلك الإستراتيجية الإلهية والتي كانت الهجرة بدايتها لتأسيس دولة الإسلام على أسس صحيحة، وتأسيس أمة تقوم على مبادئ العدل والرحمة، حيث أسس النبي صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام بشكل يضمن العدالة والرحمة.
الهجرة النبوية لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كانت نقطة تحول تاريخي أعادت تشكيل مسار الأمة الإسلامية فقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، الأرض التي شهدت البدايات الصعبة، إلى المدينة، حيث بدأت مرحلة جديدة من التأسيس وبناء المجتمع الإسلامي.
كانت «لحظة فارقة» في تاريخ الأمة، حولت المحن إلى أمل، والصعاب إلى فرص. كانت رحلة لبداية جديدة تحمل في طياتها فرصاً للتغيير وبناء مستقبل أفضل. هجرة همست في الأنفس المتبتلة لتتعلّم كيف يمكن للتحديات أن تكون خطوة نحو إعادة بناء الحياة، كما كانت الهجرة بداية لحقبة جديدة من النصر والتطور. فالهجرة في مفهومها الواسع رحمة ونور وهداية ونبراس، لننظر إلى قصص الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، فهم لم يلجؤوا إلى مكان آخر بغير ثقة بالله، بل بأمل ورغبة في نشر رسالة الإسلام. فها هو سيدنا عثمان بن عفان وزوجته رقية كانا من أوائل المهاجرين إلى الحبشة. وهو، أحد العشرة المبشّرين بالجنة، اختار الرحيل إلى الحبشة في وقت كان المسلمون فيه في أشد الحاجة إلى الأمل والثبات. هجرته كانت تجسيدًا للثبات والإيمان، حيث ترك كل شيء خلفه بحثًا عن ملاذ آمن لنصرة الدين.
الهجرة تعلمنا أن التخطيط الإستراتيجي هو أساس النجاح، من خلال رؤية واضحة وخطة محكمة، يمكننا تحويل التحديات إلى إنجازات عظيمة.
الهجرة تظهر لنا كيف يمكن للإيمان والصبر أن يحولا الصعوبات إلى فرص للتغيير والنمو فقد كانت رحلة الهجرة مليئة بالتحديات، ولكن بفضل إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وصبره، تحولت تلك التحديات إلى خطوات نحو بناء أمة عظيمة. الصعوبات ليست نهاية الطريق، بل هي «بدايات جديدة» لفرص للتغيير والنمو. نستطيع أن نتعلم من تجربة الهجرة أن كل تحد يمكن أن يكون بداية لفرصة جديدة، وأن الإيمان والصبر هما مفاتيح النجاح في حياتنا الشخصية والمهنية. الهجرة النبوية تذكرنا بأهمية الوحدة والتكامل بين الشعوب العربية. فكما نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بناء مجتمع متماسك من خلال قيم الإيمان والعدل، يجب علينا أن نستلهم هذه الدروس ونعمل على تحقيق التكامل العربي. لنعمل سويًا على تعزيز التعاون والتفاهم بين أمتنا، لتحقيق الأهداف المشتركة وبناء مستقبل مشرق لجميع شعوبنا.
دعونا نستلهم من قصة الهجرة النبوية دروسًا في الصبر، والثبات، والقيادة، وتجديد العزيمة. ولنسع جاهدين لتحويل كل تحد إلى فرصة، ولكل صعوبة إلى خطوة نحو النجاح. كل عام وأنتم بخير، ونسأل الله أن يجعل هذا العام الجديد بداية لتحقيق أمانينا، وتحقيق الخير لنا ولأمتنا الإسلامية.
إن الهجرة النبوية تذكّرنا بأهمية الوحدة والتكامل بين الشعوب العربية. فكما نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بناء مجتمع متماسك من خلال قيم الإيمان والعدل، يجب علينا أن نستلهم هذه الدروس ونعمل على تحقيق التكامل العربي. لنعمل سويًا على تعزيز التعاون والتفاهم بين أمتنا، لتحقيق الأهداف المشتركة وبناء مستقبل مشرق لجميع شعوبنا.
ها هو العام الهجري الجديد قد أطل علينا وللعام الهجري همس يتصل بالروح ونغم يجعل الأفئدة تتمايل حباً لذكره هجرته صلى الله عليه وسلم، فالأنفس المحبة تستأنس لذكرى الهجرة النبوية المباركة.
لننطلق في هذا العام الجديد بإرادة قوية وعزيمة صادقة، لتحقيق أحلامنا وبناء أمة واحدة قوية ومترابطة.