د. محمد عبدالله الخازم
تم تأسيس وحدات/ إدارات الوعي الفكري في الجامعات ووزارة التعليم بغرض نشر الوعي الفكري بالتيارات المخالفة وترسيخ قيم الوطنية في المجتمع الجامعي. أيضاً، يجري فحص الخلفيات الفكرية للمرشحين للمناصب الأكاديمية أو المشاركين في النشاطات المنبرية والمجتمعية ... إلخ. ومن نتائج ذلك -كمثال- ما صرّح به معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود في لقاء تلفزيوني باكتشاف الجامعة لعدد من المخالفين للمنهج السوي فكرياً ووضعهم تحت الملاحظة أو منعهم من تسلّم مناصب أكاديمية ... إلخ.
هناك مستويان في تناول الموضوع؛ الأول، التوجهات التي تفرضها الجهات العليا لأغراض أمنية أو سياسية أو سيادية لها تقديرها؛ أمن البلاد خط أحمر ونلتزم بكل ما يصدر في هذا الشأن. الثاني، الإجراءات والتنظيمات التنفيذية وتحسينها أمر قابل للنقاش بما يسهم في تطوير الأداء، وهذا موضوعنا اليوم.
الجامعات تعاني في تطبيق إجراءات (التحوط الفكري) بسبب؛ لوائح قديمة، مركزية وزارة التعليم، اختلاف التفسيرات والحذر المبالغ فيه ... إلخ. مثلاً، وزارة التعليم - رغم مقولات استقلالية الجامعات والثقة في إداراتها- تصر على ضرورة موافقتها المسبقة على مشاركة الأساتذة السعوديين في المؤتمرات والندوات العلمية الخارجية، بدلاً من ترك القرار للجامعات. الإشكالية، هي بيروقراطية المعاملات وتأخر ردود الوزارة التي ينتظرها الأستاذ أشهراً عديدة، قبل أن يأتيه الرد بالرفض أو في الوقت الضائع أو بعد انتهاء الحدث. ذلك النظام أسس قبل حوالي 5 عقود، حينما كان لدينا 4-5 جامعات وعدة آلاف من الأساتذة وليس مائة ألف عضو هيئة تدريس، قبل ثورات الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة وعولمة المعرفة وعبورها للحدود دونما إذن من أحد. عانيت من ذلك الأمر قبل 14 عاماً، ورغم كل التطور، ما زالت ذات الإجراءات مطلوبة وما زالت المعاناة معها قائمة.
إقامة أو المشاركة في محاضرة أو ندوة في الجامعة يتطلب المرور بالمسوحات «الفكرية» بالجامعة والوزارة، حتى لو كانت علمية تخصصية، يقوم بها أساتذة سبق أن شاركوا وابتعثوا وربما تولوا مناصب أكاديمية سابقة. الموافقات تحت مسمى «المسح الأمني» تصنع القلق وتأخذ وقتاً طويلاً، دون أن يحق لأحد السؤال باعتباره موضوعاً ذا حساسية.
النتيجة هي تجنب إقامة اللقاءات العلمية والمشاركة فيها محلياً وخارجياً وهو أمر يتنافى مع التوجهات العليا المحفزة للمؤتمرات والفعاليات في مختلف مؤسسات الدولة. ويتنافى مع تحفيز البحث العلمي والدراسات العليا وما يتطلبه ذلك من فضاء لمناقشتها وتبادل الرأي حولها، كما يثبط استقطاب الأساتذة والشراكات العلمية العالمية. لا أحد يريد تبني نشاط علمي يدخله في متاهة إدارية ليست معروفة نهايتها ولا وقت إتمامها. ولا أحد يريد الحرج أمام العلماء من الخارج أو الداخل، بسبب تأخر أو عدم وجود موافقات الوزارة أو ذراعها مجلس شؤون الجامعات.
لن أقدم حلولاً (راديكالية)، لكن أولى الخطوات تكمن في منح الجامعات الصلاحيات المتعلقة بنشاطات هيئتها التدريسية وما يتعلق بمشاركاتهم العلمية المحلية والخارجية وفي ذلك مساواة بين الجامعات ومع الجهات والهيئات الأخرى. لا بأس من ربطها بالجهات الأمنية - وفق الضرورة- لكن دون المرور (بالبروكسي) البيروقراطي، وزارة التعليم. وأضيف اقتراح تحديد مدة صلاحية للمسح الأمني عند طلبه؛ خمس سنوات، مثلاً. أي الاكتفاء بإجرائه مرة واحدة كل خمس سنوات، وتثبيت ذلك في قواعد بيانات الجامعات.
نؤكد تقديرنا للسياسات والتوجهات العليا، ذات العلاقة بأمننا الفكري ونطالب بتسهيل الإجراءات ذات العلاقة باللقاءات العلمية والمشاركة فيها محلياً وخارجياً وتحسين بيئتها (Simplicity and change in culture) وفق ما عبر عنها معالي وزير التعليم في كلمته - باللغة الإنجليزية - أثناء منتدى القدرات البشرية.