د. إبراهيم بن جلال فضلون
الصدمات الاقتصادية العالمية المتتالية دفعت العالم لإعادة ترتيب أولوياته السوقية، ليُحاول الصندوق التكيف مع متغيرات الدول الأعضاء، والتي تسارعت وتيرتها على مدار الـ30 عاماً الماضية، مغامراً بالتصدي لتحديات جمة متخبطة في كل شيء، منذ الستينيات وتقلبات أسعار السلع الأولية، السبعينيات وصدمات أسعار النفط، وأزمة الديون في الثمانينيات، والانتقال من اقتصادات التخطيط المركزي إلى اقتصادات السوق في التسعينيات... لتكتمل الأزمات قساوة بالجوائح والحروب التي تفتعلها دول الصندوق لاسيما الأوروبي الأمريكي ممن عليهم ديونٌ لم تدفع للآن، فالدين العام العالمي توقع الصندوق ارتفاعه هذا العام إلى 93.8% وفي نمو وصولاً إلى 98.8% عام 2029.. ليسجل ارتفاع الدين العام العالمي من 93.2% العام الماضي إلى 93.8% هذا العام. أما الدَّين الأميركي فنما بمعدل جنوني بنحو تريليون دولار إضافية كل 100 يوم، حتى وصل إلى 34.58 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للصين واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة، ويتوقع صندوق النقد أن يتجاوز الدين العام الأمريكي في العام الجاري مستوى 123% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، على أن يواصل النمو في السنوات المقبلة ليصل إلى مستوى 134% في العام 2029.. وبالتالي حذر الصندوق أميركا من مغبة ارتفاع أسعار الفائدة وهو الشيء القاسي بالنسبة للعديد من البلدان التي تُعزز من قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، مما يجعل السلع المُسعرة بالدولار أكثر تكلفة وزيادة أعباء الديون على البلدان التي اقترضت بالعملة الأمريكية.
لقد أجرى الصندوق عديداً من الإصلاحات منذ 2005 بدافع من التحولات في الظروف الاقتصادية العالمية وطرق التفكير الجديدة. كالتركيز على النمو والفقر. تبعها الرقابة المتشددة لتحسين تقييم أسعار الصرف وكفاية الاحتياطيات ومعالجة قضايا الحوكمة في الأزمات المالية للأسواق الصاعدة 1995-2002، وبعدها بست سنوات حتى 2014 بالأزمة المالية العالمية، وصولاً لجائحة 19 مؤثرة والحرب الروسية الأوكرانية وطوفان الأقصى للآن على المداخيل والنواتج العالمية للأسواق، فالدين العام الصيني سيصعد من 83.6% تم تسجيلها في العام 2023، إلى الـ88.6% من حجم الناتج المحلي الإجمالي 2024 وسيبلغ في العام 2029 مستوى 110% من حجم الاقتصاد الصيني.. ومثله بمنطقة اليورو بشكل طفيف مقارنة بالعام 2023 الذي سيبلغ هذا العام 88.7% من الناتج المحلي الإجمالي، غير أنه سيتراجع إلى مستوى 87.7% بحلول العام 2029.
وأخيراً: إنها الخيرات لنا، فالصدمات الاقتصادية العالمية دفعت المملكة العربية السعودية بفضل رؤيتها الحالمة لإعادة ترتيب أولويات مشاريع الإصلاح، لتقود العالم في أحلك ظروفها كما صار بوباء كورونا، ووصولاً حرب الاحتلال على غزة، وأوكرانيا ومشاكل مثل التضخم وتعطل سلاسل التوريد، والملاحة بالبحر الأحمر، مقومة سياساتها بمراجعة خططها الطموحة للإصلاح الاقتصادي التي انطلقت منذ العام 2016، فكان تحسين الأداء الخارجي والداخلي وأفضل خطوة للاقتصاد السعودي، كانت مشاركتها القطاع الخاص. لقد صدق وزير المالية الهُمام: «إذا لم تسمح لاقتصادك بمواكبة مشروعاتك، فإن ما سيحدث في الأساس هو أنك ستستورد المزيد، وبالتالي لن تسمح لاقتصادك وقطاعك الخاص باللحاق وبناء المصانع ومنشآت التصنيع ومقدمي الخدمات لدعم المشاريع التي نبنيها فعلياً».
لدينا رؤية، ولدينا طاقاتنا، ولدينا شبابنا، ولدينا أحلامنا، فليس لدينا غرور، فالمسار لنا -بعون الله وقيادتنا الحكيمة- ويمكننا تغييره والتكيُّف استجابة للظروف الطارئة.