سطام بن عبدالله آل سعد
في ظل التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، أصبحت التنمية المستدامة مطلباً رئيساً للسياسات العالمية والمحلية، فهي تهدف إلى تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة بتلبية احتياجاتهم، ومن هذا المنطلق يأتي الدور المحوري لعلم الجغرافيا في تحقيق ذلك الهدف من خلال تقديم نظرة شاملة ودقيقة حول التأثيرات المتبادلة بين الأنشطة البشرية وسطح الأرض، وكيفية تحقيق توازن مستدام بين النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وحماية الموارد الطبيعية، حيث يهتم علم الجغرافيا بتحليل وشرح أسباب العلاقات المكانية والزمانية بين الظواهر.
من أهم مميزات علم الجغرافيا تفسير توزيع الموارد الطبيعية بهدف إعطاء رؤية واضحة حول أماكن تلك الموارد وكمياتها وكيفية استغلالها بالطرق العلمية الصحيحة، مما يساعد في اتباع أفضل الطرق لاستخدامها بشكل مستدام، على سبيل المثال، دراسة انتشار أشعة الشمس وسرعة الرياح في مناطق معينة تمكننا من تحديد المواقع المناسبة لإنشاء محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبالتالي زيادة كفاءة إنتاج الطاقة المتجددة، إلى جانب ذلك بإمكان التحليلات الجغرافية الكشف عن المناطق الغنية بالمعادن وتقييم الجدوى الاقتصادية لاستخراجها مع مراعاة التأثيرات البيئية المحتملة.
تُعتبر التكنولوجيا الحديثة كنظم المعلومات الجغرافية (GIS) والاستشعار عن بعد، أدوات حيوية لإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة وفعالية، تعمل هذه التقنيات على جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات المكانية والزمانية للاستفادة منها في مراقبة استخدام الأراضي والمحميات الطبيعية وغيرها، فعن طريق نظم المعلومات الجغرافية، يتم إنشاء خرائط تفصيلية توضح تواجد الموارد الطبيعية مثل المياه، والتربة، والغابات، من أجل معرفة الأماكن الأكثر ملاءمة للمشاريع الزراعية دون الإضرار بالبيئة، كما ترسم هذه الخرائط نقاط التنوع البيولوجي، لإنشاء المحميات الطبيعية، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، مما يسهم في تحقيق التوازن البيئي. في حين تقوم تقنية الاستشعار عن بعد، برصد التغيرات البيئية بشكل مستمر، كالتصحر وتدهور الأراضي، مما يسمح باتخاذ إجراءات تصحيحية في الوقت المناسب.
إن استخدام نماذج المحاكاة الجغرافية للتنبؤ بالتغيرات المناخية المستقبلية، يتيح لنا توقع التقلبات في درجة الحرارة والمناطق الأكثر خطراً، منها السواحل المعرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، والمناطق الجافة التي قد تواجه نقصاً في المياه، وتساعد التنبؤات في بناء استراتيجيات فعالة للتكيف مع التغيرات المناخية، مثل تطوير البنية التحتية لمقاومة الكوارث الطبيعية، وإنشاء نظم إنذار مبكر للأحداث المناخية القاسية.
تشكل الجغرافيا عنصراً أساسياً وجوهرياً في تخطيط الأقاليم والمدن والقرى بطرق تضمن استدامة التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية. يمكّن التخطيط الجغرافي من اختيار المواقع المثلى لتمدد المدن بما يتوافق مع الاحتياجات التنموية والاعتبارات البيئية، يتضمن ذلك توفير الخدمات العامة كالمدارس والمستشفيات والأسواق والحدائق والبنية التحتية للنقل، مما يعزز الكفاءة وجودة الحياة للسكان. إضافةً إلى ذلك يساهم التخطيط الجغرافي في معالجة التباين الإقليمي، محققًا توازناً في التنمية وضمان تخصيص عادل للخدمات والبنى التحتية بين جميع المناطق، كما يفيد التخطيط الجغرافي في تقليل الازدحام والتلوث من خلال تحسين شبكة النقل وتنظيم المساكن والخدمات بطرق تقلل من الحاجة إلى التنقل الطويل وتزيد من استخدام وسائل النقل العامة المستدامة.
بهذا الشكل، يتضح لنا الدور الكبير للجغرافيا في توجيه السياسات والاستثمارات نحو الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، مما يضمن انسجاماً بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على البيئة، حيث يؤدي بشكل كبير إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.