خالد بن عبدالرحمن الذييب
يتحدث كونديرا في أحد مقاطع رواية «كائن لا تحتمل خفته» عن المدن الأوروبية، وعملية خلق التجانس بين المكونات العمرانية بشكل يوحي بأن هناك تعمداً لذلك، بعكس ما يحدث في نيويورك والتي يقول عنها المؤلف إن جمالها «مؤلف من أشكال قبيحة»، وكأنه يقصد عدم وجود تجانس عمراني واضح، ومع ذلك فإن هذا التنوع في القبح أضفى جمالاً غير مقصود للمدينة. يتضح هنا أن المسألة ذوقية أكثر من كونها معيارية فما يعبّر عنه المؤلف من أشكال قبيحة، تبدو في نظر غيره هي الجمال بذاته. فما هو الجمال؟.
لا شك أن هناك تعاريف متعددة، ولكن تبقى هذه التعاريف من صنع بشر اتخذوا معايير خاصة بهم أرادوا فرضها على الناس، فمن ضمن تعريفات الجمال أنه قيمة مرتبطة بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابي، ونلاحظ من خلال هذا التعريف أن الجمال شعور مرتبط بالفرد المُستَقبِل للشيء المحسوس ليقول عنه جميل، إذن فهو شعور مرتبط فيك وليس بالمحسوس مهما اعتبرنا هذا المحسوس سواء كان إنساناً، لوحة فنية، نصا أدبيا، وغيرها، كلها أمور مرتبطة بالذائقة الشخصية للإنسان، فالقضية ستبقى قائمة «الجمال ليس له معيار»، ولكنه نسبي، فهو قابلية الشخص لتقبله لما يرى، هو نسيم روح يأتي ليشعرك بشيء تستلذه النفس، يتجلى داخلك ناحية استقبالك للأشياء من العالم الخارجي. وأحياناً هو مقارنة نسبية بين محسوسين فتتغير وجهة النظر بالمقارنة، فما كنت تراه جميلاً لإنك لا ترى سواه أصبح أقل جمالاً لأنك رأيت غيره، فاللوحة الجميلة قد تكون جميلة إلى أن ترى لوحة أجمل منها، فهل هناك معيار واضح جعلك تغير رأيك؟ لا أعتقد ولكنها نسيم روح أطلقتها اللوحة الجديدة، استقبلها احساسك اللحظي بانفتاح كبير. أحياناً المحسوس ذاته الذي اعتدته يكون جميلاً في ظروف معينة، ويكون أقل جمالاً في ظروف أخرى، فبعض اللوحات توضع في أماكن لا تليق بها فلا تبدو ذات قيمة وجمال، ولكن عندما تضعها في المكان الملائم يزداد جمالها أكثر فتتسرب روحها إلى روحك وتطلق آهاً تختلط بآهاتك فيصبح هناك اندماج بين الحاسّ والمحسوس.
في تخطيط المدن جمال المكان والظروف هي التي تعطي الجمال المحسوس قيمة، فإقامة مشروع دون الاهتمام بتجميل المناطق المحيطة لا يساعد الروح على التقاط القيمة الجمالية للمحسوس، فجمال هذا المبنى وهذه الساحة والذي يشعر به الزائر العادي يكون في الأساس نتيجة لجمال متتال قام به المصمم والمخطط العمراني بداية من قبل الساحة والدخول إلى الساحة والتجول فيها والمباني المحيطة، حتى الوصول إلى الأيقونة المعمارية وسط المكان.
أخيراً ..
ربما اختلطت عند كونديرا معايير الجمال..
فهو يقيس معايير الجمال لديه حسب خلفيته الأوروبية فرأى نيويورك مخالفة لما تربى عليه...
ولكنها لامست شيئاً داخله، فوقع في حيرة بين إحساسه تجاه ما يرى، ومعايير الجمال التي ربته عليه ثقافته الأوروبية.
ما بعد أخيراً ..
ما أجمل حديث المدن بأقلام الروائيين..
فهؤلاء لديهم نظرة تختلف في وصف المدن..