د. أحمد محمد القزعل
يعود التواصل بين الشرق والغرب إلى عصور سابقة على بداية الدعوة الإسلامية، فالعرب تفاعلوا مع الغرب عبر علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وبظهور الإسلام أصبح العرب والمسلمون أكثر احتكاكاً بالعالم الغربي، وانتقلت الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا لتفتح آفاق المعرفة والتحضر فيها، واستمرت أوروبا تنهل من حضارتنا الإسلامية حتى ما بعد سقوط الأندلس، وصحيح أن نظرة الغرب إلى العرب عامة والمسلمين خاصة اتسمت بالسلبية خلال العقود الماضية كنتيجة لعدم الإقرار بالإسهام العربي الإسلامي في حضارة الغرب تارة، وبفعل عوامل الصراع العربي الإسرائيلي تارة أخرى، الأمر الذي ساهم بتشويه صورة العرب والمسلمين في العالم الغربي عموماً، لكن نحن في حوارنا الجديد المتوازن مع الآخر لا نريد تقبل معطياته بالكلية، وكذلك لا نريد الرفض المقفل لتلك المعطيات، وإنما يجب علينا أن نتعامل مع هذه المعطيات في ضوء التمحيص العلمي المتأني القائم على المنهج الموضوعي الدقيق.
حقيقة فإن التركيز على المسائل الإيجابية في التحاور بين الأمم والشعوب هو عنصر أساسي لتحقيق السلام والتعاون الدولي، وكذلك فإن العمل على إحياء مشاريع دولية مشتركة في مجالات مثل التعليم والعلوم والتكنولوجيا والتشجيع على التبادل الثقافي والفني بين الدول وتسليط الضوء على القيم الإنسانية المشتركة مثل السلام وحقوق الإنسان والعدالة يخلق إطاراً مشتركاً للتعاون والتفاهم والاحترام المتبادل..
ويوجد العديد من القواسم المشتركة التي تساعد على الحوار بين الشرق والغرب من بينها: الوحدة الإنسانية والقيم الأخلاقية، ولقد أكد القرآن الكريم على أن أصل بني البشر واحد، وأنهم متساوون في الإنسانية والحقوق، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).
وكرّم الله عز وجل الإنسان، وأسجد له ملائكته الطهرة البررة، وجعله خليفته في أرضه، وكان الإنسان هو المقصود من ابتعاث الرسل وإنزال الكتب والصحف، التي ترشد الإنسان إلى الخير والفوز في الحال والمآل، فقال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} (المائدة:44).
ولقد صح أن جنازة مرت بالنبي عليه الصلاة والسلام فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أليست نفساً» (صحيح البخاري، رقم الحديث: 1312).
كذلك يحرم امتهان الكرامة الإنسانية في الإسلام، ومن فعل ذلك عوقب عليه، ومن ذلك قصة القبطي الذي ضربه محمد بن عمرو بن العاص، وقال له أنا ابن الأكرمين، فذهب القبطي إلى المدينة المنورة، وشكا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصابه من الهوان، فاستقدم عمر عمراً وابنه معه، وطلب الخليفة من القبطي أن يقتص، وقال له: «دونك الدرة، فاضرب بها ابن الأكرمين»، فضرب القبطي محمد بن عمرو بن العاص، وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمته الخالدة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».
ولا بد من التركيز أثناء الحوار مع الآخر على الجوانب الإيجابية، والاعتماد على شهادات علماء أوروبا فيما ذكروه عن الإسلام والحضارة العربية الإسلامية بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية لصورة العرب في الغرب، ومن هذه الشهادات:
أ. يقول ول ديورانت: «لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون في عهد الخلافة الأموية يتمتعون بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم».
ب. تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: « العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها سُمح لهم جميعاً -دون أي عائق يمنعهم- بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟ ».
ج. يقول جوستاف فون جروينباوم: «ليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يضرب فيها الإسلام بسهم، ولم يزد ثروة التقاليد الغربية فيها غنى».
أخيراً: من الأهمية الإقرار بالتبادل الحضاري واحترام إنسانية الشعوب، والإقبال على الآخر بروح جديدة أساسها العلمية والموضوعية، بعيداً عن سياسة قلب المفاهيم والاستنتاجات الخاطئة.