خالد بن عبدالرحمن الذييب
هناك شخصية في التاريخ الإسلامي بل وربما تاريخ الإنسانية لعبت بها الظروف وسيّرتها الأقدار مثلما حدث مع عبدالرحمن الداخل، فهذا الرجل الذي يذكره التاريخ بأنه مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، لم يكن لينوي ما فعل لولا أن أمواج القدر قادته رغماً عنه إلى ما وصل إليه، فكان هروبه من سفك العباسيين بداية ثورتهم مثل هروب الغريق من أمواج البحر إلى أن وجد سفينة تكاد تطفو على سطح هذا البحر المتلاطم الأمواج، وما إن ركب السفينة وجد عندها قوماً بلغت بهم الصراعات والمشاحنات حداً إلى أن يتخذوه قائداً لهم من بلاد بعيدة.
يتصف أغلب القادة ومؤسسي الدول بصفات مشتركة أهمها الطموح، وهذا الطموح لا بد أن يكون بذكاء ومخططاً له، أما مع عبدالرحمن الداخل فلم يكن هناك طموح واضح بقدر ما كان رغبة في الفرار بنفسه من الموت. وفجأة، وجد نفسه حاكماً للأندلس.
دخل إليها مُطَارداً من خصوم لقتله، فأصبح فيها مُطارداً لخصوم يريدون الانقلاب عليه، 25 ثورة حسبما يشير إليه المؤرخون قامت على «الداخل»، ومع ذلك صمد، وكأني به صمد ليس حباً في السلطة ولكن رغبة في النجاة. هذا الرجل يمكن أن يُقال عنه، وُلِدَ طريداً، وعاش طريداً، ومات طريداً، هارباً من كل شيء إلى لا شيء.
كثيراً ما نرى الأمور بنتائجها أو بالصورة الخادعة، وهي صورة الانتصار، ولكن التعمق في قصة «الداخل» يختلف ويوحي بأننا أمام شخص مُطارد منذ ولد إلى أن مات، هرب وهو لا يريد أن يهرب... فعل ما فعل وهو لا يريد أن يفعل.
كان الداخل سيداً لقومة ولكنه مملوكٌ لظروف قاهرة أجبرته على هذه المسيرة وسيّرته في هذا الطريق، حتى طريقة اختياره لخليفته توحي بسيرته القلقة، والتي تخفي داخلها شيئاً من المأساة التي تعمقت في هذا الرجل نتيجة الفتن والخيانات والثورات التي تعرض لها، فلم يعد يهتم بشيء لا تاريخ يريد أن يحافظ عليه، ولا مستقبل يرغب أن يبنيه. فللداخل ثلاثة أولاد، كان سليمان الأكبر سناً، ولكن هشام كان الأكفأ في نظر الداخل وكان يخشى أن يختار هشام الأصغر سناً فيحدث شيئ من سليمان وتقوم الفتن بينهما، فأعطى خاتم الحكم والذي كان يختم به قراراته لابنه الثالث، وقال من يصل أولاً إلى قرطبة أعطه إياه ويكون هو الحاكم، فوصل هشام!!...
طريقة غريبة في اختيار الخليفة وتتعجب من حاكم عظيم أن يختار خليفته بهذه الطريقة، ولكنها ليست غريبة لمن يقرأ سيرة هذا الرجل، فمن بدأ حياته بمطاردة تقوم على الهروب وتُبنى على القلق، فإنه لابد وأن يربط مصير الأمة بالركض والقلق.
أخيراً ...
لا تغتر بالصورة... فخلف النجاح يوجد مآسٍ وأحزان ومصائب..
ما بعد أخيراً...
عبدالرحمن الداخل ذهب إلى رب أعلم بعباده، أما سيرته، فيمكن أن يقال عنها إنها لرجل... «بائس على القمة»!