سهوب بغدادي
في كل صباح، تقوم "إنسانة" بتصوير قهوتها الصباحية ورحلتها إلى الدوام، وتبث من مقر عملها مشاعرها المعتادة التي تتلخص في الملل والإرهاق من العمل، ثم تعود إلى منزلها لتوثق كل مايستحق وما لايستحق التوثيق، على مقربة من "إنسانة" هناك "فلانة" التي تقوم بتصوير خطبتها وكل ما يتخللها من مراحل إعداد وصولاً إلى حفل الزفاف الذي بدوره يعتبر مادة دسمة للتوثيق، بما فيها "العريس" الذي يتحتم عليه أن يذرف الدموع في لحظة محددة أو مايعرف بـ"الفيرست لوك" بعد ذلك تبدأ رحلة شهر العسل وجنباته، من ثم الحمل وصور الجنين والولادة وتفاصيلها الطبية سواء كانت طبيعية أم قيصرية، والتجهيزات والتوزيعات تباعًا، وصور المولود ومراحله العمرية وسقطاته وإن تخلل تلك الأيام خلاف أو وفاق مع الزوج من احتفالات ومناسبات سعيدة وخلافه -حمانا الله وإياكم- إن كل هذه الأمور أصبحت معتادة على الرغم من كونها انتهاكًا لخصوصية الفرد ومن معه، ومن هنا نعرج على مصطلح تابو، وهي "كلمة شاع استخدامها فى الدراسات الإنثروبولوجية، بمعنى تحريم عمل أمور معينة من أقوال وأفعال"، فما نراه اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي يخيل لنا أنه الطبيعي والمألوف، في حين نستنكر وننكر خلاف ماورد أعلاه، فمعيار الخصوصية اليوم أضحى هلاميًا، بلا شكل أو إطار محدد، وأصبحت حياة الشخص معرضًا مبهرجًا للجماهير، وإن كان الجمهور مقتصرًا على المقربين، إنها ليست دعوة للتكتم على كل شيء بل انتقاء ما يقال ويذاع ويعمل على العلن، خاصةً بين أوساط المشاهير ولا أقصد أصحاب المحتوى القيم بل الرث الذي يتسم بالخواء والإسفاف، فبعض المحتويات تقتصر على الدخول والخروج والدعايات فقط! لذا نرى أعراض الاستماتة لامتطاء الترند وحديث الساعة، وقد تكون تلك دوامة بلا نهاية، إلى أن تلفظ الشخص إلى ضفاف الخواء ونقطة الصفر.
ختامًا، لاتوجد خلاصة للكلام في هذا الموضوع الشاسع، والفيصل في الموضوع في الفلترة الذاتية ومراقبة النفس.
"فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا تَعيشُ بِذِكْرِهِ
فالمَرْءُ في الدُّنيا حَديثٌ يُذْكَرُ"
- البارودي