د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نتساءل دائما هل لدينا تقييم ممنهج ودراسات بحثية عن تأثير السياسات التعليمية المطبقة في مرحلة رياض الأطفال تنظيما ومحتوى على التحصيل المعرفي والسلوكي في مراحل لاحقة عند الطلاب الملتحقين بمرحلة رياض الأطفال!؟ وهذا التقييم وتلك الدراسات لو كانت متوفرة فحتما ستكون مسترادا واسعا لتعديل خطوط الإنتاج في تربية وتعليم رياض الأطفال بحيث تُشبعهم بمهارات المستقبل، وحتما سيكون الوصول إلى بوابات الطفولة وتعليمهم متحققا باعتبار تلك المرحلة ذات شأن مؤثر في صناعة المستقبل الوطني والمجتمعي والشخصي فالبدايات تنطلق من التقييم لما هو قائم ومطبق منذ سنوات؛ وأن يكون ذلك التقييم وفق معايير معتمدة من جهة الاختصاص، كما أن هذا التوجه يتطلب تقييما فاصلا لأساليب التعليم في تلك المرحلة ومستويات التلقي المشاهدة، كما يتطلب أيضا إجراء مقارنات معيارية بين منظومة العمل ومحتويات المنتج في مرحلة رياض الأطفال في بلادنا وما هو مطبق في العالم؛ ويكون المستهدف فيها المخرجات ومستوياتها؛ حيث إن ما مرّ وعبر من برامج تطوير في مرحلة رياض الأطفال قد يكون لها تقاطعاتها مع منظومة التعليم العام التي تركز غالبا على المعرفة بينما مرحلة رياض الأطفال تركز على بناء الشخصية وتحقيق الحضور المجتمعي! والحديث ذو شجون؛ والأولوية اعتماد نموذج وطني للتعليم في رياض الأطفال قابل للتطبيق مع الاستفادة من أساليب عالمية أفرزت نواتج جيدة دون نسف الجهود المحلية مطلقا فأي تعديل لا يحترم النموذج المحلي سيكون غريبا! ولعلنا نتكئ على فرص الاندماج مع بعض البرامج التعليمية ذات القيمة العالية عربيا وعالميا في تلك المرحلة كمفتتح للتجربة الودودة وترقية مستويات التلقي وأن ننهج المواءمة مع ما لدينا مما يحتاج إلى فرز وتقويم، ولو بسطنا الحديث عن البساط الذي تسير عليه الطفولة في بلادنا؛ وعن مرتكزات نهوضها حتى ندرك شغف الذين ينادون بأن يكون أطفالنا في مستقبلهم قادة للفكر والرأي المعتدل وصُناعا للإبداع ومنافسين للعالم فمن خلال اطلاعي وجدتُ تواترا يكاد يبلغُ الإجماع عند من يهتمون بالطفولة في بلادنا بأن يحمل الحراك حول تعليم الطفولة وإعدادها للحياة جهازا واحدا تلتقي فيه قطاراتها التي كانت وما زالت تُرصد بجهود متوالية من خلال منصات الدعم الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني كوزارة التعليم؛ ومصادر الثقافة المرئية والمقروءة والمسموعة؛ واللجان الوطنية وجمعيات حمايةالطفولة ومجلس شئون الأسرة الذي منحته قيادتنا الرشيدة بذور الاستزراع في ذلك الجانب وما يخطط له حاليا في قطاعات عديدة، وما ينتظره مستراد الطفولة من نوافذ ضوء أخرى تضمنتها رؤية بلادنا العملاقة 2030، فلعلها تلتقي في مركز وطني مستقل للطفولة المبكرة أسوة بالمركز الوطني للمناهج لتكون استراتيجية العمل في تلك المرحلة حضارية فريدة البناء والأهداف وفيرة البدايات؛ باسقة النتائج، وأن يكون ذلك في منصات التأسيس، وإعداد من يقود مراكب الطفولة في بلادنا من خلال مقومات ومعايير علمية ممنهجة! ذلك لأن إشكالية التلقّي تلك المرحلة المهمة من العمر ما زالت تحتاج وفيرا من عمل واستراتيجيات متينة، فأين منا دمج المعرفة بواقع التقنية (رقمنة المناهج) الذي يحيط بيئات الأطفال أنفسهم!؟ وأين منا تحقيق السيادة بتأصيل مناهج التعليم لفئات الطفولة من الداخل قبل الخارج!؟ وأين منا المسرح التعليمي الزاخر بمحفزات النهوض وبمآثر الماضي لترتاده الطفولة في بلادنا لترى فيه مستقبلها الواعد!، كما أن السرد الفني وإخراجه في صور مشوقة يمثل أدوارا معرفية وتربوية عالية إذا ما أحسن اختيار محتوياته فيختزل الكثير من الخبرات والمعارف ويقدمها للأطفال بشكل مشوق وجاذب وتكسبهم في أذهانهم ونموهم الفكري أشكالا حسية وإبداعية شتى مما يصنع من المعرفة زُمرا وتكسبهم من القيم حزما تتصدى لثقافة الصور الاستهلاكية التي غزت ْفضاءات الطفولة؛ فنحن نحتاج حتما إلى أرضية تربوية تحترم وعي الأطفال بالمواقف المدهشة الحية، والقيم النبيلة وتؤمن بتأثيرها إذا ما اصطفتْ كفاصل بين المواقف التي تحترم خصوصيتهم!
كما يلزمنا العناية بالفن كقاعدة من القواعد الأساسية لبناء المشروع التعليمي للطفولة ليهذب النفوس وينمي الذوق، ويحفز القيم الشافية!
وأين منا بناء علاقة حقيقية بين كل مؤسسات الطفولة وبيئات الأطفال داخل الأسرة على ألا يكون ذاك البناء تهميشا لدور الأسرة والإملاء عليها بما تنشده مؤسسات الطفولة التعليمية والاجتماعية.
ومرحلة الطفولة بدايات حدائق الغرس فتحتاج إلى غرس وجداني نامٍ محفزٍ تمخر من خلاله تلك الفئة العمرية إلى بحور المعرفة الواسعة في مستقبلها ويرتفع خطاب تعليم الطفولة في بلادنا إلى مسارات أكثر إقناعا!