د. فواز كاسب العنزي
في عالمنا اليوم يمثل الوعي السياسي أحد أعمدة الاستدامة في بناء المجتمعات الآمنة والمستقرة.
إنه الأداة التي تمكن الأفراد من فهم الأحداث السياسية والاجتماعية، وتحليلها بما يمكنهم من اتخاذ قرارات واعية وصائبة. ومع تصاعد التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية، يصبح من الضروري الحذر من المنظمات المتطرفة التي تتخذ من الدين ستارًا لأهداف سياسية أو أيديولوجية. فهذه المنظمات رغم ما قد يكون لها من بصمات إيجابية في الماضي إلا أن تغييراتها العقائدية قد تكشف عن أجندات تتعارض مع قيم الوسطية والاعتدال.
إرث الماضي وخطر الحاضر
لا يمكن إنكار أن بعض المنظمات التي ترفع شعارات دينية قد لعبت دوراً مهماً في مراحل تاريخية سابقة من خلال تقديمها خدمات في مجالات متعددة، مثل الإغاثة والتعليم والمقاومة. ومع ذلك يجب أن نكون على دراية بالتغيرات التي طرأت على هذه المنظمات حيث تحولت بعضها إلى كيانات تتبنى أجندات متطرفة تهدد أمن المجتمعات واستقرارها.
ولا يمكننا أن نتجاهل الأمثلة الواضحة من المجتمعات الإسلامية والعربية التي عانت من ويلات هذه التنظيمات. فقد شهدت دول مثل أفغانستان، العراق، سوريا، اليمن، وليبيا تدميرًا شاملاً بسبب تغلغل هذه المنظمات في نسيجها المجتمعي مما أدى إلى فراغات أمنية وصراعات طائفية مدمرة أضعفت استقرار هذه الدول وجعلتها عرضة للتدخلات الخارجية.
وفي مواجهة هذه التحديات تبرز جهود القيادة السعودية كمنارة تهتدي بها المجتمعات الإسلامية في تعزيز قيم الوسطية والاعتدال، فقد تبنت المملكة نهجًا شاملاً يركز على مكافحة الفكر المتطرف، ونشر التعاليم الإسلامية الصحيحة التي تدعو إلى التسامح والتعايش السلمي بين مختلف فئات المجتمع. هذه الجهود ليست مجرد استجابة للتحديات الأمنية، بل هي جزء من رؤية أوسع تسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة والعالم.
التغيير والتطور العقائدي
من الضروري أن ندرك أن التغيير ليس دائماً إيجابياً، خاصة عندما يكون مرتبطا بالتحولات الأيديولوجية التي تؤدي إلى التشدد في بعض الأحيان، تظهر بعض المنظمات ولاءً للإسلام ظاهرياً، لكنها تحمل في طياتها عقائد تتعارض مع قيم التسامح والاعتدال.
ولذلك يتعين علينا التحلي بالوعي السياسي الذي يمكّننا من كشف هذه التحولات والتصدي لها قبل أن تتسبب في إلحاق ضرر بالغ بالمجتمع.
أيضاً الحذر من الشخصيات الدينية خارج الوطن
بالتوازي مع ذلك، يجب أن نتوخى الحذر من بعض الشخصيات الدينية التي تعمل خارج حدود الوطن، مهما بدا خطابها معتدلًا. الثقة في المراجع الدينية المحلية الموثوقة أمر لا غنى عنه، خاصة في ظل محاولات بعض الجهات الخارجية التأثير على الفتاوى والتوجيهات الدينية داخل مجتمعاتنا هذه الشخصيات قد تحمل أجندات خفية تهدف إلى زرع الفتن والانقسامات بين أفراد المجتمع.
لذا الالتزام بالمراجع الدينية المحلية
إن الاعتماد على المراجع الدينية المحلية، التي تتميز بالاعتدال والفهم العميق لخصوصيات المجتمع، يمثل ضمانة للحفاظ على وحدة الصف واستقرار المجتمعات هذه المراجع قادرة على تقديم الفتاوى والتوجيهات التي تراعي المصالح الوطنية وتحافظ على استقرار البلاد، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية والمصالح الضيقة.
خاتمة
في ظل التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم يصبح الوعي السياسي ضرورة ملحة لمواجهة الأفكار المتطرفة والأجندات الخفية من خلال هذا الوعي يمكننا تعزيز قيم التسامح والاعتدال وحماية مجتمعاتنا من التأثيرات السلبية للمنظمات المتطرفة والشخصيات الدينية المغرضة، كما أن الجهود المستمرة التي تبذلها القيادة السعودية لتعزيز الوسطية والاعتدال تمثل نموذجاً يجب أن يُحتذى به لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم.
** **
- باحث في الشؤون الإستراتيجية والأمنية