هناء الحمراني
نعيش في هذه الفترة تحولات كبرى في مجال التعليم في المملكة العربية السعودية، وأحد التحولات تمثلت في ربط التعليم العام بسوق العمل؛ لردم فجوة المعارف والمهارات بين القطاعين. وهذا ما أكده برنامج تنمية القدرات البشرية، وانعكس التأكيد على تنظيم المركز الوطني للمناهج، فمن مهامه مواءمة مناهج التعليم مع متطلبات سوق العمل. إلا أن تطوير المناهج وحده لن يمكن من تحقيق التطلعات الوطنية، ما لم يصاحبه تدريب وتأهيل ودعم للمعلمين بما يتواءم مع طبيعة التطوير الحاصل.
وهذا التدريب والتأهيل يتطلب تنويع أساليب التنمية المهنية، وعدم قصرها على الدورات التدريبية الحضورية والإلكترونية المتزامنة وغير المتزامنة، ولا على برامج الزيارات المتبادلة محليًّا وعالميًّا بين المعلمين من مدرسة إلى مدرسة، بل من المهم أن يتعدى ذلك إلى البرامج التي يتم فيها مشاركة المعلمين في أنشطة حقيقية ذات علاقة بموضوعات التدريس، بعيدًا عن البيئة المدرسية؛ فالمعلم لكي يدرس مادته المرتبطة بالحياة وسوق العمل، عليه أن يمتلك المعرفة والمهارات والاتجاهات اللازمة، وتقديم دورات تربوية أو تخصصية فقط، لن تجعله قادرا أو متحفزا لتطبيق ما تم (تلقيه) في غرفة الصف.
إن عبارة (أشركني حتى أتعلم) ليست للطلاب فقط، بل هي للجميع مهما اختلفت أعمارهم أو مناصبهم، وعليه فنحن بحاجة إلى نقلة نوعية في البرامج التدريبية المقدمة للمعلمين، فعلى مستوى أسلوب التنمية المهنية، يمكن اختيار الأسلوب الذي يسمح للمعلم بالتعرض لتجارب واقعية لكيفية توظيف المعرفة في الحياة والعمل، كأن يلتحق بدورة تدريبية في إحدى الشركات لإنجاز مشروع ما، كما يمكن أن تكون هناك برامج تدريبية كبرى تجمع تخصصات STEM أو STEAM تساعد في تمكين المعلمين من رؤية المجالات الدراسية وهي تندمج أمام أعينهم في خدمة مشاريع حقيقية تخدم الوطن والمجتمع والإنسانية، وعلى مستوى المدربين من المهم أن يكونوا من العاملين في التخصصات التي بنيت على موضوعات المقررات الدراسية التي يدرسها المعلم، كالأطباء، والمهندسين، والمبرمجين، وغيرهم.
مثل هذه البرامج المباشرة تعرّض المعلم لتجارب وبيئات عمل جديدة ومختلفة، وتمكنه من دمج معرفته التربوية، والتخصصية، مع الممارسات الواقعية التي كان جزءا منها في فترة التدريب، ولها انعكاسها على رؤيته لمقرراته، وتحولها أمام عينيه من مجرد محتوى معرفي ينبغي نقله إلى الطلاب، إلى علم قابل للتطبيق، كما أن لها انعكاسها على الممارسات المهنية اليومية في المدرسة، فضلًا عن إضفاء مستوى من الجاذبية والأهمية للتخصص في نظر المعلم نفسه، ونظر طلابه.
آن الأوان أن يخرج المعلم من الحلقة الثلاثية التي تتضمن المعرفة بالتقنية، والمعرفة بالتدريس، والمعرفة بالتخصص (TPCK)، إلى فضاء أكثر اتساعًا يتضمن الممارسة العملية متعددة المستويات، فتكون الممارسة العملية لتخصصه وحده، والممارسة العملية لتخصصه مع غيره من التخصصات.
ويأتي هنا دور المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي، والذي يعد الجهة الرسمية المعتمدة لتطوير وتأهيل المعلمين للقيام بمهامهم. وإننا لنأمل أن يقدم المعهد مثل هذه البرامج النوعية، بالشراكة مع القطاع الخاص والعام وغير الربحي، وأن يتم توسيع مساحة المشاركة لجميع المعلمين وفق خطة مدروسة، ومرحلية.