علي حسين (السعلي)
أخذتُ مطرقةً ذات يومٍ وأردت أن أهوي بها في مهاوي قفل الباب لأخرج مفتاحاً وأكون شهيداً للدماء التي تنزف من يدي.. فكرتُ قليلاً قبل أن أضرب بيدٍ خنصرها معكوف لا يستقيم من كفي، تخيّلت المشهد وصياحي بعد أن أضرب بالخطأ على إصبعي، ومع ذلك صممت على الضرب فطرقت بقوة وقلبي يرجف كالطير الذي بلَّله المطر، المهم فتح قفل الباب بحثت عن دمٍ ينزف فلا شيء الحمد لله!
هذه الحكاية تدعونا أن نفكّر ونفكر كثيراً قبل أن نَهَمَّ بشيء نفعله ولا نتقي عواقبه، وكذلك مهما بالغنا في العواقب لا بد من المحاولة ونكون صريحين مع أنفسنا نفعل ما نريد ونحذر، وهذا لا يتعارض مع تخيلنا لأشياء قد تقع وتحدث وقد لا تحدث، نهتم ونحذر، فالمنطق يقول لنا: كن صريحاَ مع ذاتك وافعل ما تجده ضرورة أن تفعله!
للشعراء والكتّاب والمفكرين وووو مناسك لكتاباتهم لتصرفاتهم، أنماط صراحتهم والسؤال الذي أجده هنا متى؟
في اعتقادي ووجهة نظري في مسائل ثلاث:
الأولى:
حين يكتب والأوراق على مكتبه مبعثرة، والتلفاز شاشته مضيئة والمذيع يتحدث، وهو لا يعلم ماذا يقول أصلاً هنا يبدأ بالكتابة، بل وليدة إبداع جديد أم تكملته وحين يملّ من الكتابة، يدلف إلى مكتبته الصغيرة ويستعير منها كتاباً بنفس تخصصه الذي يكتب به، فيقرأ كثيراً.. طقوس غريبة أعرف لكنها حاصلة مثل الروائي عبده خال إذا أراد أن يكتب ويبدع.
الثانية الوحدة:
هي الملاذ الآمن لاستكتاب روحك، للعيش بين ردهات نفسك، لا أحد يفهمك جيداً غير نفسك فبغير الثقة التي تزرعها في ذاتك بذاتك ستكون عرضة لاهتزازات المواقف بعثرة القرارات، فالوحدة تنطق بالصراحة بالوضوح بالشفافية بالانتماء، فلا أحد يحبك غيرك إلا أنت، زمام الأمور ومحكمها أنت، أنت قاض نفسك وجلادها فانتبه أن تكذب عليها وعينيك فاضحة لنفسك فارتقي لتترقي اجعل وحدتك ملاذك حين تدلهم بك الأمور هنا فقط تنتج نفسك بروح وثَابة منطلقة تحب النجاح..
يقول آرثر شوبنهاور:
لا يمكن أن يكون المرء نفسه حقاً إلا متى كان وحيداً، ومن ثم فمن لا يحب الوحدة لا يحب الحرية، لأن المرء لا يكون حراً إلا حين يكون وحيداً.
ويقول فرانز كافكا: في علاقتي مع الآخرين جزء طفيف مني يتوسل المواصلة،جزء هائل مني يرغب في الهروب.
فاكتب واغتنم وحدتك أيها المثقف اكتب الصراحة التي بداخلك لا تسجنها خلف ضلوعك، أطلق ما يؤلمك لما يؤلمك دعها تطير كالحمام ويراها الجميع تصالح مع ذاتك واكتب قصتك بالمنطق والصراحة.
الثالثة مرآتك:
حين تنظر للمرآة خاطبها، تحدّث معها فهي الصادقة الصدوقة التي تخبرك الحقيقة وتنطق بصراً بالصراحة أنت وإياها وجهاً لوجه ستخبرك بالحقيقة، لا تتجاهلها اكتب ما شاهدته لا تزيّف ما تراه هي صادقة فكن صادقاً معها، قل لمرآتك:
هذا أنا ستردّ عليك حالاً: هذا أنت بذاتك مبدع فنّان مشرق تحب الحياة فقط فيك أنك نرجسي تحب نفسك كثيراً وتتناسى عيوبك!
إن الوحدة تعطيك إن اتفقتم معي من بعد إذنكم طبعاً:
أن تفكر كثيراً وتتأمل طويلاً وتزن الأمور كثيراً، تعلمك أن كلما كنت وحدك تكشف لك برويّة وتؤده كيف تتعامل مع الآخرين بحذر ومسافة آمنة وتقرأ ما بين السطور كذب ونفاق بعض البشر، الوحدة تعطيك الأمان وتأخذ وضع الاستعداد لما هو قائم وقادم من أيامك، الوحدة مثل حلم مزعج تفسره الأحداث التي تمر بك وغالباً يكون ذاك التفسير منطقياً عندها الوحدة تعلّمك يقيناً متى تقترب ومتى تبتعد ومتى تكتب وتقرأ وتحلل وتفسر وأخيراً تحكم.
سطر وفاصلة
أمي -رحمها الله - كانت تقول لي ذات صباح وأناملها تقود بحثاً في فروة رأسي: (يا علي التعب بيّاح) لم أكد أعرف المعنى إلا حين رحلت عن دنياي عندها عرفت المقصد!
فمهما كان مقدار زلزلة الحزن بداخلك سيذهب ويضمحل رويداً رويداً، وذاك التعب سيزول سينتهي وتبقى ذكرى كلما مرّت عليك تنهّدت وترحّمت وقلت:
ياه كيف تحمّلت، كيف من قارورة الهم حين هززتها باحت.