خالد بن عبدالرحمن الذييب
يقول الراوي: كثيراً ما نمر بتجارب، إلا أننا نكرر أخطاءنا في حالة غريبة لا نعلم سببها، فقال لي عقلي يوماً ما، وكأنه يتهرب مني: لا تلمني ووجه اللوم لمشاعرك التي تتبعها ولأحاسيسك التي تهيم بها رغبة عني!.
أنا أخطط لك، وأعطيك الخيارات ثم فجأة ترمي بكل جهودي عرض الحائط، وتتبع إشارة من أحاسيسك، ثم إذا فشلت عدت لتلومني، هل هذا عدل؟
نظرت إليه وقد تجمد لساني، التفتُ إلى أحاسيسي القابعة داخلي والتي هَربَت حينها إلى مكان قصي، وكأنها خافت المحاكمة، خافت من غضبي، أو ربما دمعي، فأنا في حالة غريبة من التناقض لحتى صَعُبَ عليّ هل أتنفس هواء العقل أم نسيم المشاعر.
ولا أدري على من أصب جام قهري، ومن يستحق العقوبة عقلي أم أحاسيسي.
نظرت إليّ أحاسيسي وقالت: لا تلمني، إن كان عقلك يخطط فهو أحياناً يشتت، وإن أعطاك خيارات فهو يزيد عليك الحيرة فأنت لا تدري تذهب هنا أو هناك، لذلك في لحظة ما اختار لك ما أراه حقيقة، فالخطأ مني نادر.
ـ ولماذا هذه الثقة؟ (قالها العقل متأملاً في الأحاسيس تارة، وفيّ تارة أخرى).
أما أنا فضائع بين الاثنين غارق بينهما بأمواج التردد محترق بنار الشك، الشك في عقلي، في إحساسي، في قلبي، في ذاتي.
لا أدري إن كنت موجوداً، وهل ثمة «أنا» الآن؟ إن كان نعم فمن الذي يقوده عقله أم أحاسيسه، وهل هما قائدان أم يفترض أنهما مقودان لي، هل هذا «الأنا» ملك لعقله أو لأحاسيسه أم أنه يملكها؟
تساؤلات يسألها ذاك «الأنا» وسؤاله حق..
ولكن إن كانت الإجابة لا ثمة «أنا» في هذه الحياة، فمن الذي فعل كل ما هو منسوب «لأنا»؟ أتُراها روحاً شريرة خرجت من القاع لتودي بـ «أنا» إلى التهلكة.
ـ مجنون! (صرخ بها العقل في وجهي).
ـ ردت الأحاسيس سريعاً: بل المجنون أنت؟ جنونه إن حدث فأنت سببه، فجنون البشرية أساسه العقل.
لمحني العقل وهمس في أذني متجاهلا ما سمع: لا تقلق فكل شيء يحل بالعقل.
واقتربت الأحاسيس مني: مهما فكرت بالعقل، فأحاسيسك هي من ستقودك إلى الحقيقة، فالإيمان بالله أساسه الإحساس الفطري، فهل سيصعب شيء بعده؟
ـ قاطعها العقل: كذب فالله عرفوه بالعقل.
جلست وحيداً أترقب نهاية هذه المسرحية الإغريقية، فهما يتناقشان ويرميان التهم على بعضهما البعض على طريقة السؤال الإغريقي القديم الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة؟
فتدخلت قائلاً: وماذا عن الجمع بينهما؟
ـ قال العقل بغرور: لا تشركني مع من تحكمه العشوائية في اتخاذ القرارات.
ـ وقالت الأحاسيس: ولا تشركنا مع من يضيع وقته بالحسابات، قل لي، كم مرة في حياتك فكرت بعقلك وفي النهاية نفذّت بأحاسيسك؟
ـ قلت: كثير!
ـ وهنا تدخل العقل: ولهذا لم تتطور
ـ والتَفتُ عليه: ومع ذلك فإن ما اتخذته بالعقل كان كثير أيضاً.
ـ واستلقت الأحاسيس على ظهرها من الضحك، فقد كانت إجابتي كنار انطلقت وضربت في الصميم، وقالت: ولهذا أنت مكانك سر.
أخيراً..
تركت الغرفة لهما يكملان نقاشهما..
ما بعد أخيراً..
قال الراوي:
عبثت بنفسي بهما، لماذا لا أجرب أن أعيش بدونهما، لربما.. عشت حياة أفضل أو ربما عشت عبثاً من نوع أخر!...