خالد بن حمد المالك
كنا نعتقد -وإلى وقت قريب- بأن التفاخر بالألقاب، والقبلية والأسرة، والانتماءات الأخرى على حساب مصلحة الوطن لم يعد لها من وجود، وأن إثارة النعرات القبلية قد دفنت، منذ أن وحد الملك عبدالعزيز المملكة، ووحد معها القلوب، وأذاب الفوارق، وجعل الجميع سواسية بعقيدة واحدة وبما له وما عليه.
* *
فإذا بنا أمام تعصب لهذه القبيلة ضد تلك، ولهذا الفخذ في إحدى القبائل ضد الفخذ الآخر في نفس القبيلة، وهي دعوى جاهلية، والرسول- صلى الله عليه وسلم يقول:(دعوها فإنها منتنة)، وامتد التنابز والتفاخر بالألقاب والقبائل إلى ممارسة العنصرية المناطقية البغيضة، خروجاً على ما اعتمدت عليه بلادنا عند تأسيسها ووحدتها.
* *
إثارة النعرات، تمس الوحدة الوطنية في الصميم، ونحن أمة واحدة، وتسيء إلى اللحمة الوطنية، وما من شيء أكثر سوءاً وخطراً من التعصب القبلي، على نحو ما بدأ يظهر مؤخراً بين نفر من المواطنين، حتى وإن كان محصوراً في عدد محدود منهم، ومرفوضاً من جميع المواطنين، لكن محاصرة مثل هذا السلوك مبكراً حتى لا يتسع شره، إجراء مطلوب لإخماد نار الفتنة.
* *
نعم كنا نعتقد أنها عنصرية خطيرة وقد دفنت، ولم يعد لها من وجود، غير أن ظهور شبكات التواصل، والمواقع الإلكترونية أظهر ما تبين أن النار تحت الرماد، وأن على الدولة - بل ومن واجبها- منع كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة، والانقسام بكل حزم، تنفيذاً للمادة 12 من النظام الأساسي للحكم.
* *
فالإساءة إلى الوحدة الوطنية خط أحمر يجب أن يدركه الجميع، ومن المحرمات التي لا يجوز المساس بها؛ وإن الإعلان عن ضبط7 مواطنين لارتكابهم جرائم مهددة للوحدة الوطنية، والسلم والأمن الوطني، بنشرهم مشاركات مثيرة للتعصب القبلي المقيت و نشر ما يؤدي إلى البغضاء، والتأكيد على التعامل معهم بكل حزم، ومع كل من يحاول النيل من اللحمة الوطنية بإثارة النعرات القبلية، وأن الجزاء الرادع سوف يكون مصيرهم، هو الإجراء المطلوب لتطويق هذا السلوك المخل بالوحدة الوطنية.
* *
ولا يجب أن نذهب بعيداً، فنتوسع في دائرة الاتهام، فالمضبوطون و-الحمد لله- على خلفية إثارتهم للعصبية القبلية المقيتة لا يعدون كونهم حالات شاذة، لا تعبر عن المجتمع السعودي، ولا تعكس ما هو عليه من وعي، وإدراك، لخطورة مثل تلك الممارسات غير المسؤولة التي تجاوزها الزمن.
* *
فجميع أبناء المملكة، وعلى مدار التاريخ، كانوا دائماً في موقع الافتخار بأن تأسيس هذه الدولة المباركة قد رسخت وعمقت التلاحم بين المواطنين، فكان التفافهم حول وحدتهم الوطنية، ونبذ كل أسباب الفرقة والتنافر، وتجنب كل الممارسات الشاذة التي لا تمثل إلا أصحابها.
* *
والجهات المعنية تعمل الآن وبشكل جاد وحازم على رصد كل المنشورات التي تهدد أمن وسلامة المجتمع، وتعرّض الوحدة الوطنية للخطر، ما يعني أن كل من تورط أو يتورط في إثارة النعرات القبلية، بأي وسيلة كانت سيعرّض نفسه للمساءلة، واتخاذ الإجراءات النظامية الرادعة بحقه.
* *
وأخيراً، فإن إثارة النعرات القبلية والعودة إلى الجاهلية، والتفريق بين أفراد المجتمع، ونشر البغضاء، والكراهية، يعد مساساً بالنظام العام، وجريمة يُعاقب عليها القانون، وهو ما يجب أن يتنبه الجميع لخطورة هذه الممارسات السلبية على الأمن العام، والسلم المجتمعي.