أ.د.عثمان بن صالح العامر
قبل ما يقارب الأربع سنوات كنت مناقشاً خارجيا للباحثة: آلاء أحمد شوكت زاهد، (نائب رئيس مجلس إدارة جمعية وفادة التطوعية لخدمة زائري المدينة المنورة) على اطروحتها الموسومة: (آثار الثقافة الفارسية على المجتمع المسلم، من القرن الأول إلى نهاية القرن الثالث، «دراسة تحليلية») التي تقدمت بها لكلية الدعوة وأصول الدين، قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في جامعة أم القرى، لنيل درجة الدكتوراه في تخصص الثقافة الإسلامية، 1442هـ 2020م، وبعيداً عن قراءة الرسالة قراءة تحليلية وبيان مناحيها العلمية، وابداعات الباحثة المنهجية والفكرية والأسلوبية واللغوية، لفت انتباهي الإهداء الرائع، والشكر المتميز، الذي اسدته لوالديها في صفحات الرسالة الأولى.
وعندما حصلت خلال الأيام القليلة الماضية على كتابها المطبوع (العمل التطوعي ودوره في تنمية القيم الاجتماعية لدى الشباب) الذي كان في الأساس رسالتها لنيل درجة الماجستير 1434هـ وجدتها تسوق أجمل العبارات وأعذب الكلمات لهذين الوالدين، الذين فارقا الحياة.
كنت أظن هذا وذاك التزاماً منها بالعرف الأكاديمي المتبع في أغلب الجامعات عموما والسعودية منها على وجه الخصوص. ولكنني ومن خلال متابعتي لحسابها في (منصة x) ومروري أحياناً على حالتها في (الواتس أب) وجدتها كل صباح، نعم كل صباح - لم تنسَ أو تتناسَ يوماً ما هذا الالتزام القيمي أبداً - تفتح يومها بدعاء لوالديها رحمهما الله رحمة واسعة وللمسلمين أجمعين، مدعمة ومعززة دعاءها المكتوب بآي من كتاب الله الكريم.
لقد جعلت (آلاء) كل من اطلع على كتابها المنشور، أو قرأ في رسالتها - التي حقها أن تصل للقراء الكرام جميعاً لجدتها وتميزها وروعة مضامينها - أو زار حسابها وقرأ شيئا مما تدونه وتغرد به، يأمن على دعائها لوالديها وللمسلمين أجمعين، وهذه - أعني الدعاء اليومي للوالدين عبر منصة x - سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وشخصيا لا أعرف من يوظف العالم الافتراضي (السوشيال ميديا) لمثل هذا العمل الرائع الطيب المبارك، الذي قيل عنه انه أعظم الوفاء، تفعل ذلك بصفة دائمة ولمدة سنوات طوال رجاء ما عند الله، وجزماً ما خفي عنها ولا نعرفه من صدقات وبذل وعطاء، وأدعية واستغفار، وصلة رحم، وبر لأصدقاء والديها، أعظم وأشمل، ولذا كان هذا المقال الذي هو إشادة وشكر وثناء على حسن صنيع الدكتورة التي تمثلت في هذا النهج قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وولد صالح يدعو له).
إن رأس المال الحقيقي، والثروة محل المفاخرة والافتخار، أن يرزقك الله - عز وجل - ولداً يتسم بالصلاح ولا يفتر عن الدعاء لك والترحم عليك، وكل من رآه أو سمع حديثه أو تعرف عليه بعد أن عرّف بنفسه قيل له (رحم الله والديك)، فالذكر الطيب والدعاء الدائم عمر ثانٍ يحياه الميت في دنيانا وهو تحت الثرى موسد في قبره.
والاستغفار هو كذلك ضرب من ضروب الدعاء للوالدين، والذي قال عنه -عليه الصلاة والسلام - في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة في صحيحه : (إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول : أنى هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك).
رحم الله الآباء والأمهات وجعل قبورهم رياضاً من الجنان، ورزقنا برهم أحياء وامواتا، ومنّ علينا سبحانه وتعالى بصالح الولد الذي يجعلنا نحيا عمرا ثانيا بعد رحيلنا من هذه الدار، دمتم بود، وتقبلوا صادق التحايا، وإلى لقاء، والسلام.